إعادة ترجمة أعمال ادوارد سعيد في طبعة تحتوي على ردود ووجهات نظر جديدة

 

عمان- الغد- تنهض دار نشر" رؤية " بعبء إعادة ترجمة وتقديم إدوارد سعيد للعربية، حيث يتولى د. محمد عناني إعادة ترجمة منجز سعيد الفكري إلى العربية، وقد انتهى من ترجمة الكتاب المهم “الاستشراق” إضافة إلى “تغطية الإسلام” و”صور المثقف” الذي اتخذ له د. عناني عنوان “المثقف والسلطة” لأسباب يوضحها في التصدير الخاص بترجمته للكتاب، وقد تكلل هذا الجهد بطباعة هذه الأعمال الفكرية الكبيرة، في هذه الدار التي قرر مديرها المسؤول رضا عوض أن يصدر مشروع إدوارد سعيد كاملا  إلى جانب إعادة طباعة الأعمال المصادرة، وقد أنجز في هذا السبيل إصدار كتابي طه حسين “في الشعر الجاهلي” ولويس عوض “مقدمة في فقه اللغة العربية”.

اضافة اعلان

وكانت جامعة القاهرة قد ناقشت رسالتين علميتين عن إدوارد سعيد في قسم اللغة الإنجليزية فيها، الأولى في العام 2000 وقدمتها الباحثة منى سامي، وتناولت المدخل الثقافي للسياسة عند ادوارد سعيد، أما الثانية فقد ناقشت في العام 2005 استجابة العالم العربي لفكر ادوارد سعيد، مع التركيز على كتاب “الاستشراق”، وقدمها الباحث محمود عبد الحميد.

وتحت عنوان “النظرية النقدية عند ادوارد سعيد” ناقشت جامعة جنوب الوادي في مصر رسالة علمية قدمها في العام 2000 الباحث سمير

عبدالنعيم، كما أن الجامعة الأميركية في القاهرة أصدرت عددا خاصا من مجلة “ألف” بعنوان “ادوارد سعيد والتقويض النقدي للاستعمار” وتضمن قسما بالعربية وآخر بالإنجليزية، وشارك فيهما نخبة من كبار المثقفين العرب والأجانب، كما تضمن قائمة ببلوجرافية لأعمال سعيد وترجماته وما كتب عنه.

لكن السؤال المهم الذي يتبادر إلى الأذهان: لماذا يقدم لنا الدكتور محمد عناني هذه الترجمة الجديدة وبين أيدينا الترجمة المشهورة التي قدمها كمال أبو ديب منذ ربع قرن؟ يرى د. عناني أن ترجمته هذه صادرة عن الطبعة الثانية لـ “الاستشراق” التي صدرت في العام 1995 وفيها أضاف ادوارد سعيد فصلا كاملا عن وقع كتابه في العالم الغربي وغير الغربي معا، كما أعاد النظر في بعض المسائل التي رأى أنها تحتاج إلى إعادة نظر، ورد على بعض نقاده وما تعرض له كتابه من قبول أو رفض في الغرب خصوصا، بعد انقضاء أكثر من خمسة عشر عاما على نشر الطبعة الأولى من الكتاب.

وحول ما إذا كان هذا مبررا كافيا لإعادة ترجمة كتاب ترجم من قبل؟ يؤكد الدكتور عناني أن اللغة العربية المعاصرة التي تترجم بها الكتب الأجنبية لغة حية ومتطورة، وقد شهدت من التغيرات في ربع القرن الماضي ما لم تشهده على مدار ما يقرب من قرن كامل، وبالتالي وطبقا لوجهة نظر عناني من حق العربي أن يعيد ترجمة الآثار الفكرية والأدبية المهمة إلى هذه اللغة المعاصرة، ومن حق القارئ العربي أن يقرأ ما آل إليه من السلف على ضوء مفاهيمه الجديدة التي يتوسل فيها باللغة العربية المعاصرة.

ويؤمن د. عناني بأن المترجم “مفسر” بمعنى تحويل الفكرة إلى لغة العصر، وهو يقترب من مفهوم الشرح، الذي يقدم المعنى بالصورة التي يفهمها أبناء الجيل الجديد، حيث تختلف رؤية نصوص هذا الجيل في عيون الأجيال اللاحقة، والدليل قائم في فهم أو تفسير القراء والنقاد لكتاب “الاستشراق” على مدى ربع القرن الأخير سواء في الغرب أو الشرق.

كذلك يختلف المترجمون في فهمهم نصوص سعيد وأساليب تقديم صور هذا الفهم إلى قراء اللغة المترجم إليها، إذا أخذنا في الاعتبار أن سعيد ذو أسلوب خاص به لا يشاركه فيه احد، لأنه باحث أدبي في المقام الأول، يكثر من الاعتماد على النصوص الأدبية إلى جانب النصوص الثقافية، وينطلق في دراسته العلمية من مناهج البحث العلمية في النقد الأدبي، وهذا الأسلوب يمثل صعوبة خاصة للقارئ حتى في البلدان الناطقة بالإنجليزية.

وبهذا المعنى يرمي د. عناني إلى أن تتمتع ترجمته لمشروع سعيد الفكري بقدر لا بأس به من الوضوح، مع مراعاة الدقة إلى أقصى حد، وعندما كانت دقة التعبير تأتي من فكرة معقدة عند الكاتب، ويقتضي ذلك بناء عربيا لا يتمتع بالوضوح الكامل، فقد كان د. عناني يتحايل على البناء في سبيل الدقة والوضوح حتى يأتي بالمعنى المقصود بأسلوب آخر، حتى لو اقتضى ذلك التضحية ببعض خصائص الأسلوب الأصلي، وهو يرى في كل الأحوال أن الدقة العلمية على هذا النحو هدف نبيل.

وبالسؤال عما إذا كان د. عناني قرأ الترجمات السابقة لإدوارد سعيد، ينفي ذلك مؤكدا انه لم يقرأ ما سبق من ترجمات، لأنها حتى لو كانت حسنة، تمثل ما فهمه غيره، وفي غير هذه اللحظة أو ما عبر عنه غيره بألفاظ أو أساليب قد لا تحمل المعنى نفسه لقارئ اليوم، فكل ترجمة تحمل طابع صاحبها، كما يرى د. عناني أن هذا الجهد الذي يبذله في ترجمة كتب ادوارد سعيد أمر مهم، وسعيد جدير به لأنه من القلائل، إن لم يكن الكاتب الوحيد، الذي خاطب الغرب بلغته ومنهجه العلمي الحديث.