إغلاق البلد وتخريب الاقتصاد!

حتى اليوم، لم نجد الحكمة العظيمة التي تمثلتها الحكومة وهي تعلن قراراتها تباعا، والتي تقول إنها قرارات تأتي على ضوء تطوّر الحالة الوبائية. سنصدق ذلك، مضطرين، ولكن سنعرض بعض القرارات التي تأتي متضاربة بوضوح كامل، ونتساءل بعدها عن الذكاء الخارق والحكمة العظيمة التي فاتنا أن نعرفها من ورائها. في قرار صادم على ضوء تطور الوضع الوبائي، دفعت الحكومة بأكثر من مليوني طالب إلى مدارسهم الحكومية والخاصة، كاشفة عن آلية معقدة، من السخرية أن نظن أنها قادرة على تنفيذها. في المقابل، تصر الحكومة، وبصورة لا يمكن فهمها، على إغلاق جميع القطاعات عند الساعة العاشرة مساء، ما يضطر أصحاب المصالح إلى أن يبلعوا أساهم، ويندبوا حظهم على ضياع ساعات عمل طويلة، وهم الذين لم يخرجوا بعد من الأزمة الاقتصادية التي عاشوها، والخسائر التي منيوا بها جراء إغلاق البلد لزهاء شهرين من أجل السيطرة على إصابات كورونا، وهو الهدف الذي فشلت الحكومة في تحقيقة بعد إغفالها المعابر البرية، لتذهب تضحيات الأردنيين هباء، وبلا أي جدوى. كيف يمكن لنا أن ننظر بعين العقلانية إلى هذين القرارين، وهل يمكن أن يستقيما معا؟! بالتأكيد لا. فهما متعارضان، لكن ذلك يفتح الشهية لتفسيرات كثيرة يتحدث بها الناس. بالنسبة للمدارس، وقرار عودة الدراسة داخل المدرسة في وقت نشهد فيه تسجيل إصابات كورونا غير مسبوقة، يؤكد كثيرون أن الحكومة واقعة تحت ضغط لوبيات مستثمرين في التعليم الخاص، وأنها منحت هؤلاء المستثمرين أولوية على المواطن، خصوصا بعد أن أبدت غالبية أردنية نيتها نقل أبنائها من التعليم الخاص إلى الحكومي في حال التعليم عن بعد. إن تفسيرا كهذا، حتى ولو كان مجرد أقاويل أو إشاعات، يفرض على الحكومة مسؤولية أخلاقية كبيرة لتبيان موقفها الواضح والصريح تجاه المواطن وتعليمه. التنافخ الكاذب الذي مارسته وزارة التربية، حين أكدت أن لديها خططا ومقدرة لاستيعاب جميع طلبة الأردن في المدارس الحكومية، هو فقط من أجل ذر الرماد في العيون، ومن أجل أن تعمل على تسكين آلام الأردنيين الذين عانوا وما يزالون من قرارات متخبطة لحكومة لا تمتلك أي رؤية لإدارة الحياة العامة وإدامتها، فها هم الآلاف من الطلبة على قوائم انتظار المدارس، بينما الصفوف في معظمها فوق الطاقة الاستيعابية. فأين هي المقدرة التي تشدقت بها الوزارة؟! في الجانب الآخر، تصر الحكومة على تفعيل أوامر دفاع تقضي بإغلاق القطاعات عند الساعة العاشرة مساءً، وهو القرار الذي يجد له تفسيرا هو الآخر في الشارع الأردني، فهم يحيلونه إلى “أمور” لا علاقة لها بالوضع الوبائي القائم اليوم في الأردن، بل هو “غرضنة” الوضع الوبائي لإعادة رسم العلاقة بين الفرد والمؤسسة الرسمية، وهي علاقة ملتبسة اليوم، تحتكم لقانون دفاع تريد الحكومة أن تستغله حتى آخر رمق، لنشاهد بأم أعيننا كيف تتراجع الحريات التي كانت تميّز الأردن عن محيطه. في جانب آخر، تفرض الحكومة حظرا على الأعراس وبيوت العزاء، مشترطة ألا يزيد العدد على عشرين شخصا فيها، بينما تمنح الإذن الخاص للعشائر لفرز مرشحيها عبر انتخابات داخلية، سيشارك فيها عشرات أو مئات الآلاف، مع العلم أن مجرد إجراء مثل هذه الانتخابات هو انتهاك صارخ للديمقراطية التي تقول الحكومة إنها تعمل على تنميتها في الأردن، فيما الواقع يؤكد أنها تصر على هدم الممارسة الديمقراطية الحرة الحقيقية، عبر تثبيت الروابط البدائية وروابط الدم والقرائبية والجهوية، وتضرب بمبدأ التمكين الديمقراطي عرض الحائط. فكيف نفهم هذا التضارب الحاد والتعارض الذي لا يمكن هضمه؟!! مؤلم ومخجل ما يحدث اليوم في الأردن، ولا يمكن لنا أن نتصالح معه، خصوصا أن القرارات الحكومية التي ثبت عقمها بدليل حديث رئيس الوزراء د. عمر الرزاز أمس عن عدم جدوى الإغلاق صحيا واقتصاديا، دمّرت الاقتصاد الوطني وأدت إلى إفلاس العديد من الشركات والأفراد. رغم كل هذا، ما نزال نعتقد أن الحكومة قادرة على إدارة الأمور. هذا افتراض خاطئ، ويجب أن نتخلص من وهمه، فإدارة البلاد تحتاج إلى فريق يمتلك الرؤية الواضحة والتخطيط الحصيف لجميع المكونات، وليس استرضاءات على حساب المواطن والمصلحة العامة!اضافة اعلان