إنقاذ الأكثر ضعفا في الجائحة

Untitled-1
Untitled-1

سيمون جونسون وجاليت ألتر وتيس كاميرون ومايكل مينا*

كمبريدج ــ في ماساتشوستس، التي يقترب عدد سكانها من سبعة ملايين، توفي أكثر من 6000 شخص بسبب مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) منذ بداية شهر آذار. لكن مجموعة واحدة صغيرة نسبيا ــ تضم نحو 38 ألف شخص، أو 0.5 % من سكان الولاية ــ تمثل 60 % من هذه الوفيات. تضم هذه المجموعة كل شخص يعيش في دور رعاية المسنين، ويجب أن تكون حماية هؤلاء الأشخاص وهيئة العاملين الذين يتولون رعايتهم، وجميعهم معرضون بشدة للإصابة بعدوى شديدة، على رأس الأولويات في كل مكان مع إعادة فتح الاقتصادات.اضافة اعلان
وفقا لبيانات ما قبل الجائحة، يبلغ عدد الأشخاص في دور رعاية المسنين عادة نحو 1.3 مليون شخص في المتوسط في مختلف أنحاء الولايات المتحدة. يتلقى هؤلاء السكان الأكبر سنا الرعاية من قِـبَـل قوة عمل يبلغ عددها نحو مليون شخص. لحسن الحظ، أصبح لدينا الآن طريقة أفضل للحد من مخاطر وفاتهم بشكل كبير: تنفيذ برنامج مراقبة مُـرَكَّـز للصحة العامة على أساس جميع أشكال الاختبار المتاحة ــ بما في ذلك اختبارات فحص مصل الدم للأجسام المضادة ــ للأشخاص داخل وحول دور الرعاية والسكان عموما.
في الآونة الأخيرة، كان هناك قدر كبير من التأكيد على بناء القدرات في المختبرات لإجراء فحص تفاعل البوليمراز المتسلسل (PCR)، المعيار الذهبي للكشف عن فيروس كوفيد-19. تشكل القدرة على إجراء هذا الاختبار ضرورة أساسية لإدارة الفاشيات الـمَـرَضية. في ماساتشوستس، ساعدت الجهود التكنولوجية البطولية التي بذلها معهد برود التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد (منظمة لأبحاث الطب الحيوي والجينوم) في إنقاذ العديد من الأرواح عن طريق إحداث زيادة ضخمة في توافر الاختبار لدور الرعاية وغيرها في مرحلة مبكرة من الجائحة. ونحن في احتياج إلى المزيد من هذه القيادة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة والعالم.
تنبئنا اختبارات تفاعل البوليمراز المتسلسل ما إذا كان شخص ما مصابا بالعدوى حاليا ــ وهي معلومة أساسية لاحتواء الفاشيات المرضية ــ وتنصح الإرشادات الجديدة بشأن دور الرعاية والصادرة عن مراكز الرعاية الطبية للمسنين (Medicare) وخدمات المساعدة الطبية للفقراء (Medicaid) بفحص هيئة العاملين كل أسبوع، مع اختبار المقيمين أسبوعيا إذا تبين أن أيا من العاملين أو المقيمين في المرفق إيجابي للفيروس. ولكن حتى على افتراض أن كل المرافق في الولايات المتحدة يمكنها الحصول على مجموعات الاختبار (المسحات، وأنابيب الاختبار، ووسائل النقل) وتمتلك القدرة اللازمة للامتثال، فإن الفاتورة الشهرية قد تتجاوز مليار دولار، ولن يتم الكشف عن عدد كبير من الإصابات بالعدوى في وقت مبكر بالقدر الكافي لمنع المزيد من انتقال العدوى. ومن غير المرجح أن تثبت هذه الاستراتيجية كونها قابلة للاستمرار سياسيا وماليا. وسوف يظل الناس يموتون بأعداد كبيرة للغاية.
لجعل إرشادات دور الرعاية التابعة لبرنامجي رعاية المسنين والفقراء، وما يتصل بها من جهود الصحة العامة، أكثر فعالية، يتعين على الولايات أن تضيف الاختبارات المصلية المنخفضة التكلفة والسهلة الاستخدام إلى المزيج. تقيس الاختبارات المصلية عينات الدم للتعرف على وجود الأجسام المضادة ومستوياتها لفيروس SARS-CoV-2، وهو الفيروس المسؤول عن إحداث مرض فيروس كورونا 2019. تطور أجسام أغلب الأشخاص الناجين من كوفيد-19 أجساما مضادة، مما يوفر إمكانية تقييم الإصابة السابقة وخطر الإصابة في المستقبل.
غير أن مجرد ملاحظة ما إذا كانت الأجسام المضادة موجودة ببساطة لا يكفي لقياس مخاطر المستقبل. في التعامل مع العديد من أشكال العدوى، يحدد العلماء تركيزات الأجسام المضادة التي تعتبر كافية لحماية الشخص من الإصابة بالعدوى في المستقبل. وأي تركيز أقل من هذه القيمة يعني أن الشخص ربما يكون إيجابيا للأجسام المضادة لكنه ليس محميا بشكل جيد. وتُـعـرَف العملية العلمية التي تسعى إلى إيجاد "عتبة الحماية" هذه لأي توليفة بعينها من العدوى واختبار الأجسام المضادة بمسمى تحديد "ترابط الحماية".
عندما يتعلق الأمر بكوفيد-19، فإننا ما نزال في الأيام الأولى من محاولة العثور على ترابطات جيدة للحماية، وعلى هذا فإننا لم نتوصل بعد إلى أفضل عتبة للحماية يمكن استخدامها. لكن العلماء في مختلف أنحاء العالم يبذلون قصارى جهدهم لإنجاز هذه المهمة على وجه التحديد: قياس الأجسام المضادة في أجسام الأشخاص الذين أصيبوا بعدوى الفيروس SARS-CoV-2، ثم تصنيفهم في طبقات وفقا لتركيز الأجسام المضادة، ثم مراقبتهم تحسبا للإصابة بالعدوى مرة ثانية. في الحالة المثالية، سوف نجد أن أي تركيز للأجسام المضادة يقلل من خطر الإصابة مرة أخرى في المستقبل. ولكن إذا كان هذا الفيروس، كما نتوقع، يتصرف مثل العديد من فيروسات الجهاز التنفسي التي ندرسها، فإن تركيزات الأجسام المضادة فوق عتبة بعينها ستكون مرتبطة بمناعة وقائية أكبر من التركيزات الأقل من هذا المستوى.
تنخفض تركيزات الأجسام المضادة بمرور الوقت. ولهذا السبب من الممكن أن يصاب الناس بفيروسات كورونا الموسمية أكثر من مرة. ولكن هل يمكن أن يصابوا مرة أخرى بعدوى فيروس SARS-CoV-2 في ذات الموسم، أو ربما لا يصابوا به مرة أخرى إلا بعد سنوات؟ تعتمد الإجابة جزئيا على مدى سرعة تحلل الأجسام المضادة الواقية.
ربما يمكننا أن نأمل أن يكون تحلل الأجسام المضادة لعدوى كوفيد-19 شديد البطء (مثل الأجسام المضادة للحصبة، التي تظل أجسام الناس حاملة لها لعقود عديدة من الزمن)، غير أن معرفتنا بفيروسات كورونا الأخرى تشير إلى أن الأجسام المضادة لكوفيد-19 قد تتحلل بسرعة أكبر، ربما بعد ستة أشهر فقط أو سنة واحدة، مثل الإنفلونزا. وسوف يتطلب تحديد معدل تناقص الأجسام المضادة لكوفيد-19 قياسات مصلية من أشخاص مصابين بالعدوى على مدى أشهر وسنوات.
في هذه الأثناء، نعمل على تحديد عتبات الحماية حتى يتسنى لنا استخدام قياسات الأجسام المضادة الكمية (علم الأمصال) بقدر كبير من الثقة لتوجيه التخصيص الفعّـال للموارد الشحيحة. لتسريع هذه العملية، ينبغي للمستشفيات، والعيادات، وبرامج الصحة العامة أن تستخدم اختبارات الأجسام المضادة الكمية وليس النوعية (إيجابية/سلبية) بقدر الإمكان، وأن تبلغ النتائج مباشرة إلى سلطات الصحة العامة. بهذه الطريقة، يمكن استخراج البيانات لتحديد الترابطات الدقيقة للوقاية التي تحدد عتبات الحماية.
الآن، تجمع برامج المراقبة التجريبية في دور الرعاية في ماساتشوستس بالفعل بين اختبارات مصل الدم واختبارات تفاعل البوليمراز المتسلسل (PCR) لمساعدة المرافق في نشر تدابير "مكافحة العدوى" وفهم المخاطر. قبل حدوث أي موجة ثانية محتملة من العدوى (على سبيل المثال، نتيجة لإعادة فتح الاقتصاد أو الطقس البارد)، من الممكن أن تساعد اختبارات علم الأمصال في تصنيف المقيمين في دور الرعاية ضمن مجموعات اجتماعية وغذائية توفر لهم قدرا أكبر من الحماية.
أما الأشخاص المعرضون للإصابة (الذين لم يتعرضوا من قبل لكوفيد-19) فيجب أن يختلطوا بآخرين لديهم مستوى مرتفع نسبيا من الأجسام المضادة، والذين يفترض أنهم يمثلون تطور المناعة لفيروس SARS-CoV-2. إن إحاطة الأشخاص المعرضين للإصابة بآخرين يمكن أن نفترض بشكل معقول أنهم أكثر مقاومة للمرض تُـعَـد من استراتيجيات الصحة العامة الناجحة المستخدمة منذ فترة طويلة في التعامل مع أمراض مثل الجدري، وهي تعمل على توطيد مناعة القطيع.
لدينا ثلاثة أسباب تجعل علم الأمصال يشكل الأساس لجميع برامج الصحة العامة القوية في رصد الأمراض المعدية. فهو يعمل على توليد بيانات جديرة بالثقة ويمكن استخدامها لحساب مخاطر الفاشيات الـمَـرَضية في المستقبل. وهي استراتيجية رخيصة (ربما عُـشر التكلفة الكاملة لفحص الـ PCR). ويمكن جمع العينات ــ قطرة من الدم على بطاقة خاصة ــ في المنزل ونقلها بالبريد.
تستخدم عِدة شركات رائدة ــ والتي ننصح بالتعامل مع بعضها ــ علم الأمصال بالفعل لرصد المخاطر والحد من مستوى الخطر الذي يتعرض له العاملون لديها وعملاؤها. واستخدام هذه التكنولوجيا ينتشر بسرعة.
في الظروف المثالية، ستستخدم البيانات شبه اللحظية من ملايين اختبارات الدم ــ وهو أرشيف لا يصدق لاستجابة الجسم للمرض ــ لبناء "نظام تتبع رصدي" للأمراض المعدية. وكما هي الحال مع الأرصاد الجوية، يجب أن يتتبع هذا النظام "عواصف" العدوى في مختلف أنحاء العالم، مما يساعدنا في توقع ــ واقتراح الإجراء المناسب ــ قبل أن تضرب الموجة الثانية من كوفيد-19 (أو أي عامل آخر مسبب لمرض مميت) دور الرعاية وكل شخص آخر. بمرور الوقت، من الممكن أن تتحول هذه التوقعات إلى وسيلة تحذير مهمة وجديرة بالثقة مثلها كمثل وسائل التحذير من العواصف والأعاصير اليوم.
أخيرا، بمجرد توفر لقاح كوفيد-19، تُـرى كيف نخصص الجرعات المليون الثمينة الأولى من اللقاح؟ وكيف سنعرف ما إذا كان اللقاح يحمينا من الإصابة بالعدوى مرة أخرى في العام 2022؟ بالاستعانة ببرنامج موسع للأمصال، يمكننا الإجابة على مثل هذه التساؤلات والاستعداد لظهور مسببات الأمراض في المستقبل.

ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
*سيمون جونسون الرئيس المشارك لتحالف سياسات كوفيد- 19، وأستاذ في كلية سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. جاليت ألتر أستاذ في كلية الطب في جامعة هارفارد ومعهد راجون. تيس كاميرون مستشارة مؤسسة RA Capital ومديرتها القادمة. مايكل مينا أستاذ في كلية ت. هـ. تشان للصحة العامة في جامعة هارفارد وطبيب في بريجهام ومستشفى النساء.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org