إنقاذ الاقتصاد.. مشكلة النظرية النقدية الحديثة

ويليم إتش. بويتر*

نيويورك - تقدم النظرية النقدية الحديثة (MMT) نصف الحقيقة الخطيرة المُغرية بشكل خاص في الوقت الحاضر حيث تبحث الحكومات بشدة عن أدوات لإنقاذ اقتصاداتها من الانهيار. يُعد التصريح الأخير الذي أدلت به مؤيدة النظرية النقدية الحديثة ستيفاني كيلتون لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية أكبر مثال على ذلك. وبالإشارة إلى حكومة المحافظين الحالية في المملكة المتحدة، تجادل ستيفاني بأنها "ستعاني من عجز هائل. وهذا أمر مُلفت".
تكمن المشكلة في أنه بالرغم من صحة هذا التقييم في الوقت الحالي، إلا أنه ليس من الضروري أن يكون صحيحًا في المستقبل. في الواقع، يجب أن نتوقع أن تُعاني النظرية النقدية الحديثة من فشل واضح في غضون عام من نهاية عمليات الإغلاق الناتجة عن تفشي وباء كوفيد 19 - ربما، مع موجة حادة من التضخم في المملكة المتحدة. ومع ذلك، حتى إذا تمكنا من منع هذه النتيجة المُحددة، سيتجنب صناع السياسة مواجهة الكارثة إذا اتبعوا الفكرة الرئيسية للنظرية النقدية الحديثة، والتي يمكن إعادة صياغتها على النحو التالي: "العجز ليس أمرا سيئًا. ما عليك سوى تعزيز الإنفاق العام أو خفض الضرائب، ثم تحويل عدم التوازن الناتج إلى نقود".
في الواقع، تبدو بعض عوامل النظرية النقدية الحديثة منطقية إلى حد ما. وفقا لهذه النظرية، فإن الخزانة (أو وزارة المالية) والبنك المركزي هي مكونات هيكل واحد يُسمى الدولة. الخزانة هي المالك المُستفيد للبنك المركزي (أو بعبارة أخرى، البنك المركزي هو نافذة السيولة للخزانة)، مما يعني أن استقلالية البنك المركزي هي مجرد وهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بعملياته المالية وشبه المالية.
تُشير النظرية النقدية الحديثة، بشكل منطقي، إلى أنه نظرًا لأن الدولة يمكنها طباعة النقود أو إنشاء ودائع للبنوك التجارية في البنك المركزي، فهي قادرة على تشكيل قاعدة نقدية متى رغبت في ذلك. وبما أن القاعدة النقدية غير قابلة للسداد، فإنها ليست مسؤولية بالمعنى الحقيقي (حتى لو كان أصحاب الأموال يعتبرونها أصلاً). وإذا كان الدين غير النقدي الصادر عن الدولة مقومًا بالعملة المحلية، فإن التخلف عن تسديد الديون السيادية يصبح مسألة اختيار، وليس ضرورة، لأن خدمة الديون يمكن دائمًا تمويلها (عن طريق طباعة النقود).
ولكن إذا كان التخلف عن تسديد الديون السيادية مسألة اختيار، فهناك ظروف يمكن للمرء أن يختار فيها القيام بذلك. إذا كان العجز الذي يتعين تحويله إلى نقد كبير بما يكفي، وإذا كانت الفائدة على الدين العام تُمثل جزءًا كبيرًا من هذا العجز، فقد يؤدي التمويل النقدي المطلوب للحفاظ على الملاءة السيادية إلى معدل تضخم مرتفع غير مقبول سياسيًا. في هذه الحالة، يمكن لدولة ذات سيادة اختيار "الشر الأقل": التخلف عن سداد ديونها المُقومة بالعملة المحلية.
لفهم المشكلة الأساسية، يجب نسيان قضايا مثل تمويل السندات، والتركيز بشكل مباشر على كيفية تمويل الدولة للعجز عن طريق طباعة النقود. دعونا نفترض أن الإنفاق الحكومي والعائدات الضريبية ثابتة بالقيم الحقيقية (المعدلة حسب التضخم). سيعادل العجز الحقيقي الناتج الزيادة في الحجم الحقيقي للقاعدة النقدية التي يجب أن يكون القطاع الخاص على استعداد لاستيعابها في كل فترة.
هناك "نظامان" للطلب على القاعدة النقدية. النظام الأول هو الوضع الذي توجد فيه العديد من الاقتصادات المتقدمة اليوم: فخ السيولة عند الحد الأدنى الفعال (ELB) لمعدلات الفائدة الاسمية. نظرًا إلى أسعار الفائدة الاسمية القصيرة الأجل الخالية من المخاطر والقريبة من الصفر، فإن الطلب الفعال على الأرصدة النقدية الحقيقية يتسم بمرونة غير محدودة. في هذه الحالة، يتعين على السلطات المالية اعتماد مبدئ بسيطً: إذا كان لديك أدنى شك، لا تُخاطر. تُعد "أموال طائرات الهليكوبتر" - أي الزيادات النقدية في الإنفاق العام أو التخفيضات الضريبية - استجابة سياسية مُناسبة في ظل هذه الظروف الاستثنائية. ليس للمدفوعات النقدية تأثير تضخمي ما دامت أسعار الفائدة عالقة عند الحد الأدنى الفعال.
ومع ذلك، لا ينبغي للمرء أن ينسى أن التطورات المحلية أو الأجنبية التي تؤثر على الأسواق المالية أو الاقتصاد الحقيقي يمكن أن تُخرج الدولة بسرعة من وضع الحد الأدنى الفعال، وتُعيدها إلى ما يطلق عليه الاقتصاديون "النظام النقدي العادي"، حيث يكون معدل الفائدة أعلى من الحد الأدنى الفعال. نظرًا إلى أن اليابان عالقة عند أو بالقرب من مستوى الحد الأدنى الفعال على مدار العشرين عامًا الماضية، قد يلزم إعادة النظر في مفهوم "نظام نقدي عادي". ومع ذلك، سيكون من الحماقة وضع سياسات على افتراض أن سعر الفائدة المحايد (سعر الفائدة الذي سيسود في اقتصاد يتمتع بالعمالة الكاملة والتضخم عند المستوى المُستهدف) سيكون قريبًا من الصفر في المستقبل المنظور.
في هذا السيناريو العادي الثاني، لن يكون هناك تهديد تضخمي ما دام الاقتصاد يتمتع بطاقة زائدة (موارد غير مُستخدمة). ومع ذلك، إذا كان الطلب على القاعدة النقدية مُقيدًا بمعدلات الفائدة ومستوى النشاط الاقتصادي (المُقاس، على سبيل المثال، حسب الدخل أو الاستهلاك)، فإن تسييل عجز الدولة غير المقيّد سيؤدي في النهاية إلى استنفاد الفوائض الحالية، مما يضع ضغطًا تصاعديًا على معدل التضخم.

اضافة اعلان

في هذه المرحلة، لا يمكن لأحد معرفة ما إذا كان لوباء كوفيد 19 تأثيرات دائمة على العرض بالنسبة للطلب. على الرغم من أنه من المحتمل أن يؤدي الاستثمار الضعيف والادخار الوقائي القوي إلى انخفاض أسعار الفائدة المحايدة وأسعار السوق مع استمرار تفشي الوباء، يجب أن نكون مستعدين عند وقف تدابير التباعد الاجتماعي واستعادة سلاسل التوريد جزئيًا على الأقل. سيتعين على الحكومات تعديل ميزانياتها وتمويلها وفقًا لذلك. وهذا يعني أن النظرية النقدية الحديثة تتجاهل بشكل خطير مستوى الطلب على القاعدة النقدية.

*كبير الاقتصاديين السابق لشركة "سيتي جروب"، وأستاذ زائر في جامعة كولومبيا.
*خاص بـ"_" بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت.