إنقاذ حرية التنقل في أوروبا

ملصق تعبيري عن حركة التنقل في أوروبا – (أرشيفية)
ملصق تعبيري عن حركة التنقل في أوروبا – (أرشيفية)

هانز فيرنرسن*

ميونيخ- وفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة YouGov في يوم الاستفتاء على عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، كانت الهجرة القضية الأكثر أهمية في رأي مؤيدي "الخروج"، ولم تسبقها في التفضيل العام سوى قضية الاستقلال ذاتها. ولكن أولئك الذين يعتبرون الناخبين الذين صوتوا لصالح الخروج البريطاني كارهين للأجانب يسيئون فهم طبيعة المشكلة. فبفضل الكومنولث، تُعَد المملكة المتحدة واحدة من الدول الأكثر تفتحا في العالم. واتهام البريطانيين، بين كل الشعوب، بأنهم كارهون للأجانب أمر سخيف.اضافة اعلان
في  واقع الأمر، تعكس نتيجة الاستفتاء انتقادات مشروعة لتصميم الاتحاد الأوروبي الذي يقوم إلى حد كبير على الحدود المفتوحة على العالم الخارجي ومزيج  يتألف من حرية التنقل وما يسمى مبدأ الإدماج داخلياً. وينبغي للاتحاد الأوروبي أن يستخدم هذا التصويت البريطاني بحجب الثقة كفرصة لتغيير قواعد الهجرة جوهرياً.
كان رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون محقاً عندما طلب المزيد من التنازلات في ما يتصل بتقييد حرية تنقل مواطني الاتحاد الأوروبي. ولتحقيق مصلحته الذاتية، ينبغي للاتحاد الأوروبي الآن أن يعمل على تنفيذ ما طالب به كاميرون: تأخير إدراج العمال المهاجرين داخل الاتحاد الأوروبي في أنظمة الرعاية الاجتماعية في الدول المضيفة. وإذا لم يعمل الاتحاد الأوروبي على إزالة مغناطيس الرفاهية الاجتماعية الحالي، فسوف يتفكك، لأن قضية الهجرة هي الأكثر أهمية في نظر المواطنين في قسم كبير من الاتحاد. ويتعين على الأحزاب السياسية التي تنكر هذه الحقيقة أن تستعد لصدمة مؤلمة.
تكمن  المشكلة الأساسية في مأزق ثلاثي مستعص على الحل. فمن المستحيل تلبية كل أهداف الاتحاد الأوروبي التالية: حرية التنقل الداخلية، ودولة الرفاهة، وإدراج المهاجرين في أنظمة الرعاية الاجتماعية في الدول المضيفة.
فاليوم، يُدرَج مواطن الاتحاد الأوروبي الذي ينتقل إلى دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي في نظام الرعاية الاجتماعية بسرعة كبيرة. ويستحق العاجزون عن العمل الحصول على فوائد الرعاية الاجتماعية الكاملة الممولة بالضرائب بعد خمس سنوات على الأكثر. والحصول  على الاستحقاقات في وقت مبكر مسألة  قانون وطني، وفي بعض الحالات مسألة اختصاص قضائي.
في  ألمانيا، وفقاً لقرار صادر عن المحكمة الاجتماعية الفيدرالية في ألمانيا، يصبح مواطنو الاتحاد الأوروبي الباحثون عن عمل ولكنهم لا يجدون فرصة عمل مستحقين على الفور لفوائد البطالة والرعاية الاجتماعية، والتأمين الصحي المجاني، وأقساط الإيجار للسكن. وهم أيضا مستحقون للحصول على إعانات الطفل لكل أطفالهم، حتى ولو كان الأطفال ما يزالون يعيشون في بلدانهم الأصلية في رعاية أجدادهم. أما أولئك الذين يزاولون أعمالا حرة فيستحقون على الفور فوائد البطالة والرعاية الاجتماعية التكميلية، وبدل السكن، وإعانات الأطفال (التي تبلغ لأسرة لديها خمسة أطفال 1018 يورو (1335 دولارا أميركيا) شهريا ــ وهذا أعلى كثيرا من متوسط صافي المرتب للعامل في بلغاريا أو رومانيا.
وإذا  لم تتغير فإن قواعد الوصول إلى  أنظمة الرعاية الاجتماعية الوطنية سوف تتسبب في تآكل دول الرفاهة  في الاتحاد الأوروبي، لأن الدول  الأكثر سخاء سوف تتحمل على نحو متزايد عبء تخفيف الفقر. وربما تجد دول الرفاهة الأفضل نضجا والتي  يتدفق إليها الفقراء نفسها  آنذاك في منافسة ردع مدمرة، مع نزول السكان المحليين إلى الشوارع للدفاع عن "مستحقاتهم".
ولا يمكن منع هذه النتيجة إلا من خلال تقييد حرية التنقل أو مبدأ الإدماج. ولهذا، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يعترف بضرورة المفاضلة بين جودة دولة الرفاهة، وحرية التنقل، والإدماج، ولابد أن يقرر أيهما يمكن التضحية به.
يتمثل أفضل خيار في تقييد مبدأ إدماج المهاجرين في الاتحاد الأوروبي، لأن الحد من حجم ونطاق دولة الرفاه من شأنه أن يغذي عدم الاستقرار الاجتماعي. وتقييد حرية التنقل يعني انتهاك واحدة  من حريات الاتحاد الأوروبي الأساسية.
لا ينبغي لتقييد مبدأ الإدماج أن يمثل مشكلة، ذلك أن كل دول الاتحاد الأوروبي تلبي متطلبات قانون الاتحاد الأوروبي الأساسي وتضمن الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية. وبالتالي ففي حالة فوائد الرعاية الاجتماعية غير المكتسبة -الفوائد الممولة بالضرائب والاشتراكات والتي تُمنَح خلال السنوات الأولى في دولة الإقامة الجديدة- يجب أن يفسح مبدأ الإدماج المجال لمبدأ الدولة الأم (الوطن الأصلي). في الدول المضيفة، يُمنَح المهاجرون الفوائد التي اكتُسِبَت في ظل نظام تأمين يقوم على أقساط  مرتبطة بالتكاليف.
علاوة على ذلك، يتعين على الاتحاد  الأوروبي أن يغلق حدوده الخارجية. وتمثل  سوق العمل، والبنية الأساسية،  والنظام القانوني، واستحقاقات الرعاية  الاجتماعية في الاتحاد سلعا خاصة لا يمكن إتاحتها للاستهلاك من قِبَل  مهاجرين عشوائيين لأسباب اقتصادية من مختلف أنحاء العالم. وأولئك الذين  يعتقدون أن المجتمع الليبرالي  يستلزم حدودا مفتوحة لا يفهمون أن حماية  الملكية شرط أساسي للحرية.
على الرغم من هذا، تظل الضرورة الإنسانية لمنح اللجوء للمضطهدين سياسيا ودمجهم في نظام الرعاية الاجتماعية قائمة. ولكن فصل هذه  المجموعة القليلة من الناس (الذين يمثلون 0.7 % فقط من كل الطلبات المفحوصة في ألمانيا)  الذين يندرجون تحت هذه الفئة عن المهاجرين لأسباب اقتصادية يتطلب أنظمة لتقديم الطلبات ومعسكرات استقبال، إذا لزم الأمر، حيث يمكن اتخاذ القرارات خارج حدود الاتحاد الأوروبي.

إن  أولئك الذين لا يركزون إلا على  الخطاب القومي الغاضب الذي كان مسموعا في بعض زوايا حملة خروج الاتحاد  الأوروبي يغفلون عن حقيقة أكبر. فما  لم يهجر الاتحاد الأوروبي مبدأ الإدماج، فسوف يزداد صخب هذا الخطاب الغاضب ــ ويصبح خروج المزيد من الدول حتميا.

*أستاذ الاقتصاد والمالية العامة في جامعة ميونيخ، كان رئيس معهد ايفو للبحوث الاقتصادية، ويعمل في المجلس الاستشاري لوزارة الاقتصاد الألمانية.
*خاص  بـ"الغد"، بالتعاون مع "بروجيكت  سنديكيت".