إنقاذ ما يمكن إنقاذه

قبل سنوات، كان الخوف على المحالّ التجارية الصغيرة من الاندثار، بسبب ظهور الأسواق الكبيرة "المولات" وانتشارها. حين ذاك، اشتعلت المنافسة بين الطرفين؛ فرحل من رحل من أصحاب المحال الصغيرة، وهم كثر؛ فيما بقيت قلة استطاع أصحابها الصمود في وجه المنافس الجديد.اضافة اعلان
اليوم، تظهر الخشية على مصير "المولات" الكبيرة، والتي صعّدت من لهجتها إلى درجة باتت تهدد بالرحيل، نتيجة ارتفاع الكلف التشغيلية التي تهدد، بحسب مالكي "مولات"، قدرة استثماراتهم على الاستمرار في البقاء.
صيحة أصحاب "المولات" جاءت مباشرة عقب أنباء، الأسبوع الماضي، عن نية شركتين أجنبيتين، تمتلكان سبع علامات تجارية، الخروج من السوق المحلية، نتيجة الضغوط الكبيرة والأوضاع الصعبة التي تواجهانها.
طبعاً، أسباب هذه الضغوط متعددة؛ بعضها مرتبط بالأوضاع العامة الناجمة عن حالة التباطؤ التي يمر فيها الاقتصاد، وضمنها تراجع الطلب. كما زاد من سوء الحال ارتفاع كلف بعض البنود، مثل تعرفة الكهرباء، وضريبة المسقفات التي يرى المتضررون أنها ضريبة غير عادلة.
بالضرورة، ثمة أساس، ولو بالحد الأدنى، لكل ما يشتكي منه أصحاب "المولات". الأمر الذي يستدعي دراسة مطالبهم والبنود التي يشتكون منها، وصولاً إلى أن تكون المبالغ المفروضة عليهم عادلة، ومحفّزة لبقاء استثماراتهم في السوق المحلية.
فهذا القطاع مهم، لاسيما أنه مشغّل رئيس للعمالة، كونه يوفر آلاف فرص العمل. ويقدر أصحاب "المولات" عدد العاملين فيها بحوالي 7000 شخص. مع الإشارة إلى أننا لا نعرف كم من هؤلاء عمالة أردنية؛ وكم منهم يخضع للضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، وبالتالي نسبة من يتمتع من هذه الآلاف ببيئة عمل مريحة ملتزمة بقانون العمل.
السؤال التلقائي الآن: أين الحل؛ كيف تتعامل الحكومة مع رحيل وهروب المستثمرين من السوق المحلية؟
يبدو أساس الحل في تغيير عقلية التعامل مع هذا الملف، كما سواه؛ عبر الالتفات إلى هموم القطاعات التي لم تكترث لها الحكومة، ومنها "المولات"، حتى خرجت معاناتها إلى الملأ. إذ يبدو أن شكاوى أصحاب "المولات" لم تسمع بها وزارة الصناعة والتجارة إلى حين عرض الإعلام القصة! فأغلب الظن أن الوزارة لا تدري عن مشاكل هؤلاء والتحديات التي تواجههم.
جوهر القضية يتمثل في حقيقة أن الظروف التي يمر بها البلد استثنائية في صعوبتها. وتمرير العام الحالي بسلام، ومن دون مفاقمة خسائر الاقتصاد على الأقل، مسألة يلزم الالتفات لها، قبل أن تصبح هجرة رؤوس الأموال ظاهرة. وكذلك تفاقم تأثيرات قضايا أخرى معقّدة ألقت بظلالها على قطاعات بعينها، ومنها قطاع النقل الذي يعاني إلى درجة تعطلت معها آلاف الشاحنات، ودفعت العديد من شركات النقل أيضا إلى الرحيل.
كلف هذا الرحيل يدفعها الاقتصاد وصورته في أذهان الخارج والداخل؛ بأنه بات طاردا للأعمال. كما يدفع ثمنه المواطن بالنتيجة، إن لم يكن بالتزامن مع ذلك.
والسبب إهمال مطالب أبناء القطاعات المتضررة عموماً، وبالتالي التكاسل عن اتخاذ خطوات وإجراءات تخفف من سوء الأحوال، وتصبّر المستثمرين إلى حين انجلاء أو تراجع حدة أزمات الإقليم التي يدفع الجميع كلفها.
اليوم المشكلة تعمقت وتشعبت؛ فبدلا من التركيز على جذب الاستثمار، صار لزاما العمل على الحفاظ على ما لدينا من استثمارات؛ كبر حجمها أم صغر.
ومع الإقرار، مرة أخرى، بأن الظروف الإقليمية والوثيقة الصلة بتواضع وتيرة النمو، كانت سببا في ما بلغه سوق "المولات"، إلا أن ذلك لا يعني أن الوزارات والمسؤولين المعنيين أبرياء، فقصورهم ساهم في التضييق على هذا القطاع.