إيران، القنبلة والربيع

 ترجمة: مدني قصري
آلان فراشون – (لوموند) 2012/2/9
إنه السؤال المعقد في الشرق الأوسط: هل ستقوم إسرائيل بقصف إيران؟ منذ أسابيع عديدة، يقول قادة إسرائيل إن الوقت بات محسوبا عليهم. فبعد تسعة إلى عشرة شهور سوف تكون الجمهورية الإسلامية قد انتهت من إخفاء منشآتها النووية تحت الأرض. وبذلك ستصبح في مأمن من القصف الإسرائيلي، ولذلك لا بد من التحرك قبل إنجاز هذا الأمر. وترُدّ الجمهورية الإسلامية بلهجة التحدي: "لسنا خائفين، تعالوا، وسيكون ردنا أسوأ على الغرب بعشرة أضعاف!"، هكذا يؤكد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الزعيم الحقيقي للنظام.اضافة اعلان
وفي هذا السياق، يدعو الأميركيون والأوروبيون إلى التحلي بالصبر، ولو أنهم -على غرار الإسرائيليين- مقتنعون بأن إيران تريد اكتساب القدرة على صنع سلاح نووي.
لكنهم اتخذوا مؤخرا سلسلة جديدة لم يسبق لها مثيل من العقوبات ضد طهران. وهم يعملون على تطبيق أكبر حصار ممكن على النفط الإيراني الذي يشكل المورد الوحيد للبلاد. وتريد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يُعْطَى لهذه التدابير من الوقت ما يكفي لتصبح نافذة المفعول ومؤثرة.
ومتحدثاً أمام طلاب للعلوم السياسية في باريس خلال الأسبوع الماضي، قال آلان جوبيه، وزير الخارجية الفرنسي: "يجب تجنب الحل العسكري الذي ستكون عواقبه وخيمة ولا يمكن التنبؤ بها".
لكن الأجندة الإسرائيلية ليست تقنية فقط، وإنما هي أجندة سياسية أيضا. فهي تحسب حسابا لرفض الرئيس باراك أوباما القيام بأي هجوم، في الوقت الحالي على الأقل. ولذلك، وإذا ذكرت الصحافة الإسرائيلية فصل الربيع موعدا للهجوم المحتمل على المواقع النووية الإيرانية، فإن ذلك ليس من قبيل الصدفة. إذ يجب أن تتم الغارة قبل الانتخابات الأميركية يوم 6 تشرين الثاني (نوفمير). وفي خلال الحملة الانتخابية سيدافع المرشحون عن مبدأ الهجوم ضد إيران. وهم منذ الآن يعِدون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنهم سيقدّمون له دعمهم، منددين ضمناً بـ"ليونة" الرئيس الديمقراطي أمام الجمهورية الإسلامية.
"إذا كنتم تريدون أن تمتلك إيران القنبلة النووية، انتخبوا أوباما!" ذلكم هو الشعار الذي يردده "ميت رومني" المرشح المفضل لدى الجمهوريين. وهو حسابٌ سياسي قبيح يُعزى بحق أو عن خطإ لـ "بي بي" نتنياهو: "خير لنا أن نضرب الآن، مع وجود أوباما الذي لن يستطيع بحكم تعرّضه للتحدي والضغط من قبل معارضية، مواجهة إسرائيل".
وقال رئيس الدبلوماسية في أحد البلدان الأوروبية الكبرى لصحيفة "لوموند": "ستكون الأسابيع القادمة حاسمة". فهو يطالب بأن يُمنَح الوقتُ الكافي لتطبيق العقوبات. خاصة وأن كل المؤشرات تدل على أن هذه العقوبات قد بدأت تلدغ إيران، وبعمق.
فمنذ تشرين الأول (أكتوبر) فقدت العملة الإيرانية، الريال، نصف قيمتها. أما الاقتصاد فهو يعاني من مصاعب جمة ومتعاظمة. وفي هذا السياق يصف المبعوث الخاص لصحيفة "نيويورك تايمز" في طهران، شعبا يتخبط في "حالة من الهلع المتزايد، أمام الإحساس بهذا الحصار، واحتمال نشوب الحرب، ووضعية مادية تتفاقم يوما بعد يوم". 
وفي هذا الشأن يؤكد أحد أفضل الخبراء الفرنسيين في الشؤون النووية، "برونو تيرتريس، من مؤسسة البحث الاستراتيجي، بأن العقوبات قد "حققت آثارها". فعلى موقع "رياليتي يو" يوضح هذا الأخير أن هذه العقوبات قد "أبطأت البرنامج النووي"، وقد جعلت "توريد المواد والتكنولوجيات أكثر صعوبة"، وقد أطالت "الوقت الضروري لإيران لامتلاك القنبلة". "فالعقوبات تسعى لتغيير الحسابات التي رسمها القادة الإيرانيون"، يقول برونو تيرتريس. أما الثمن السياسي والاقتصادي لاستراتيجيتهم النووية فسوف تصبح تكاليفها جد باهظة. فالأمر يتعلق بإضعاف الجمهورية الإسلامية إلى الحد الذي يجعل القادة فيها يتساءلون: هل ننقذ القنبلة أم ننقذ النظام؟
فهذا النظام، أكثر من أي وقت مضى، يقف الآن موقفا دفاعيا. فهو في الداخل لا يحظى بالشعبية. وهو الآن بصدد فقدان أكبر حليف له في العالم ألا وهي سورية. فالدعم الذي ما فتئت طهران تقدمه لدمشق يكلفها اليوم عداء معظم العرب - وبخاصة عداء جماعة الإخوان المسلمين المصريين والتونسيين، وتركيا. فالعالم السني يسعى لعزل إيران والحيلولة دون هذا التأثير المتعاظم الذي قد يمنحه السلاح النووي للخصم الفارسي القديم. ثمة علامات قلق وانزعاج، وانقسامات في قلب الجمهورية الإسلامية، وفي خضمها يردّ المرشد الأعلى بخطابه المعادي لإسرائيل، مفترضا بذلك أن هذا الأسلوب سيؤدي إلى رص صفوف الإيرانيين. ففي خطبة صلاة الجمعة في جامعة طهران، يوم 4 شباط (فبراير) هدد خامنئي إسرائيل قائلا: "إن النظام الصهيوني هو السرطان الحقيقي في المنطقة، ويجب استئصاله، وليس ذلك ببعيد!".
إذا كان "التاريخ، في رأي برونو تيرتريس، يؤكد أن العقوبات ضد إيران يمكن أن تكون هي الحل المناسب لهذه الأزمة النووية"، فإن آخرين لديهم رأي مختلف: ففي هذا الشأن أحصى الخبير الأميركي "روبرت باب"، من جامعة شيكاغو، سنوات العقوبات الدولية، ويقدّر أن "هذه العقوبات التي جاءت كبديل للحرب، ليست في غالب الأحيان سوى تمهيد لهذه الحرب". وعندما تفشل، وهي تفشل بالفعل في غالب الأحيان، فسوف يتخذ أنصار الحرب من هذا الفشل ذريعة للانتقال إلى الفعل".
فلتحقيق النجاح، يجب أن تناور العقوباتُ حول إمكانية التفاوض. فالمسألة كلها متوقّفة على معرفة ما هو الفشل، أو ما هو النجاح، أي، بعبارة أخرى، ما "الخطوط الحمراء" عند هذا الطرف وذاك. فالجمهورية الإسلامية لن تتنازل عن حقها في تخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية، وهي الأغراض الوحيدة التي تعترف بالسعي إلى الوصول إليها. فقد قطعت في ذلك شوطا كبيرا، والمسألة بالنسبة إليها مسألة حياة أو موت هذه السياسية. فمنظمة الأمم المتحدة تقول إن إيران تنتهك التزاماتها الدولية: فهي تمنع عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية الوصول إلى عناصر معينة من برنامجها النووي. هذا وتعد وكالة الطاقة الذرية أن جزءا من البرنامج النووي الإيراني لا يمكن أن تفسره سوى إرادة طهران في تحقيق القدرة على صنع سلاح، لكنها (أي الوكالة) تقول إنها لا تعرف إن كانت إيران قد اتخذت قرار التصنيع أم لم تتخذه بعد؟.
 فـ "الخط الأحمر"، بالنسبة لإسرائيل، قد تم اجتيازه اجتيازا كاملا تقريبا، وحسبها في ذلك كون أن البرنامج النووي الإيراني يتقدم فعلا، أي أن إيران قد حققت هدفها. لكن في المقابل، فإن الخط الأحمر، بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، لن يكون إلا حين تأتي بداية صنع السلاح، وهو ما لم نصل إليه بعد.
إنها لعبة "بوكر" ثلاثية الأطراف، لعبة متوترة، بل ومتوترة للغاية!
*نشر هذا المقال تحت عنوان: L'Iran, la bombe et le printemps

[email protected]