إيران والصفقة النهائية.. طريقة ترامب التفاوضية

يصعب القول إنّ دونالد ترامب، وفريقه طورا بالفعل مذهباً أو مبدأ في السياسة الخارجية، ولكن يمكن الحديث عن أمور بدأت تتبلور، من ضمنها نهج هذه الإدارة التفاوضي، المشتق من صفقات العقارات والتجارة التي جاء ترامب، وجزء مهم من فريقه، منها. اضافة اعلان
 يمكن استقراء النهج التفاوضي "الترامبي" من حالات كوريا الشمالية، وفلسطين، وإيران. وهو نهج ليس اختراعاً، وموجودٌ في عالم المفاوضات، ويمكن الحديث عن ثلاث سمات أساسية. هي، أولا، (التصعيد من أجل الحلحلة)، على غرار المقولة العامية "إذا ما بتكبر ما بتصغر". ففي حالة كوريا الشمالية، أطلق تصريحات متوعدة، هدد فيها بـ "الغضب والنار"، ثم عرض مفاوضات، قد تتضمن زيارته كوريا الشمالية، وعقد قمة مع رئيسها، الذي كان يسميه "الرجل الصاروخي الصغير".
والبند الثاني في نهجه التفاوضي، هو (التنفيذ قبل التفاوض)، فهو نقل السفارة الأميركية للقدس، واعترف بالمدينة "عاصمة لليهود"، وأغلق تقريباً مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وقلّص كثيراً المبالغ المدفوعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين، الفلسطينيين، (الأونروا)، وكل ذلك قبل أن يطرح ما يسميه "الصفقة النهائية". هو بذلك، جزئياً، على الأقل لا يطرح خططا للتفاوض، بل ينفذ خططاً تُحدِد سلفاً جزءا كبيرا من نتائج المفاوضات. فالصفقة النهائية، المزعومة في الحالة الفلسطينية، لا يتم إعلانها بل يقوم بتنفيذها، على الأرض. وهو لا يهدد بإلغاء الاتفاق النووي إذا لم يتم إعادة فتح المفاوضات على الاتفاق مع إيران، بل ألغاه فعلاً ثم فتح باب التفاوض. والواقع أنّ هذا نهج قليل الشيوع في عالم المفاوضات، خصوصاً الدبلوماسية منها، فغالبا أنت تلوح بعقوبات إذا لم ينفذ الطرف الآخر أمرا تطلبه، ولكن ترامب بدأ ما يمكن تسميته "العقوبات الاستباقية (preemptive punishment) أو (الوقائية preventative). والمقصود هنا نقل المفاوضات لدى الطرف الآخر من تحقيق المكاسب لتقليص الخسائر.
البند الثالث، هو نهج شائع أيضاً، يدرسه أي طالب أو متدرب على المفاوضات، وهو المبالغة في رفع السعر المطلوب في البداية، أو المبالغة في تقليل الثمن المعروض. وعلى سبيل المثال أعلن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الاثنين الفائت، 12 شرطاً للتفاوض مع إيران، وإبرام اتفاق جديد، يتضمن عمليا إلغاء أي دور خارجي لإيران، وأضاف، فيما يشبه الاعتراف الضمني أنّ هذا طلب تفاوضي أولي (عالي) إذ قال إنّ المطالب "قد تبدو غير واقعية"، وقال إنّ واشنطن مستعدة للتفاوض مع طهران على اتفاق جديد. بل إنّه قدم إغراءات لإيران، وإنها إذا غيرت "سلوكها" فإنّ الولايات المتحدة الأميركية، مستعدة لرفع كل العقوبات وإعادة العلاقات الدبلوماسية والتجارية وحتى دعم الاقتصاد الإيراني. وبالمثل فإنّ ما يجري هو إخبار الفلسطينيين أن عليكم أن تتفاوضوا على حل، العرض الأولي فيه منخفض جدا، يتمثل في عدم وجود القدس واللاجئين والمستوطنات، أو مكتب تمثيلي لكم في واشنطن، ولا مساعدات، ولا دعم عربي، مع إشارات بإمكانية تحسين الوضع الاقتصادي، وإمكانية التفاوض لتحسين الشروط المعروضة، وما الى ذلك.
هناك إذن، نهج تفاوضي من ثلاثة عناصر: أولا، التصعيد كبداية، وثانيا، انتزاع بعض المطالب عنوة لفرض نقطة بداية جديدة للتفاوض، والمبالغة في تضخيم قيمة الثمن المطلوب، أو تقليل الثمن المعروض. وليس بالضرورة أن ينجح هذا النهج.
فعلى سبيل المثال، فإنّ رد الفعل الفلسطيني، الرسمي، لم يتراجع أمام "هجوم التفاوض" الأميركي، ولكن الرهان الأميركي أنّ رد الفعل الفلسطيني، مؤقت، وسيجري الاستسلام أمام الضغوط، وأنّ الموقف الفلسطيني لن يتخطى الرفض المؤقت ولن يصل إلى الرد بإجراءات تحد ميدانية. وبالطبع لا تخلو جعبة إيران من أوراق تفاوضية قد تستخدمها، خصوصاً مع الموقف الأوروبي، الحالي. فإدارة ترامب مثلا أهملت قاعدة تفاوضية مهمة أيضاً، هي ضرورة بناء الفريق التفاوضي جيداً. فإذا كانت تقوم ببناء هذا الفريق جيداً في الحالة الفلسطينية، لدرجة تحويل، أو محاولة تحويل بعض العرب، من مفاوضين مع الفلسطينيين إلى وسطاء لتسويق التنازلات، فإنّها لم تستطع مثلا إعداد الشق الأوروبي ليؤيد الطروحات الأميركية، خصوصاً في حالة إيران.
يقوم ترامب بتكتيكات تفاوضية هجومية مفاجئة، تحتاج رد فعلٍ موازيا في القوة ونوعية الرد المقابل، وفي شكل فهم المرحلة المقبلة.