إيمان بيشة: رنين النحاس

أعوامها التسعة لم تكن تخبّر عن موهبتها الكبيرة التي تفجرت فوق المسرح، فحلقت بالجمهور وبلجنة الحكام عاليا، مع صوتها الأوبرالي الذي يحاكي رنين النحاس وحواره مع الهواء.اضافة اعلان
الطفلة الأردنية إيمان بيشة، بعفويتها الكبيرة، كانت محط أنظار الملايين الذي قفزوا فرحا فور إعلان فوزها في الموسم الخامس من برنامج المواهب “أرابز غوت تالنت”، خصوصا نحن الأردنيين الذين تابعوا مشاركتها في البرنامج منذ انطلاقته، واعتبروها فرس السباق الذتي ستصنع الفرق في النهاية.
لم تكن إيمان مجرد مؤدية، بل كانت فنانة مملتئة بالإحساس، وتؤدي بانطلاق وثقة، مع الموسيقى والكلمات، فتأسر جميع المستمعين. هكذا استطاعت أن تقنع لجنة الحكام بموهبتها، وأن تضع قدمها بثقة فوق منصة التتويج.
وقفت بثقة كبيرة فوق مسرح مترامي الأطراف، وواجهت جمهورا كبيرا لا يجرؤ على مواجهته كثير من المتمرسين، ولكن ذلك لم يمنعها من أن ترفع رأسها عاليا، وتستل من رئتيها موسيقا الكلام الذي لم يطاوع غيرها، فطوّفت على جمهورها بأزهار الأوبرا، من غير أن تتلعثم أو تتهيب من أي موقف.
كانت تعيش أغنياتها كلمة بكلمة، ولم تكترث بحجم الاحتفاء الضخم بها، كما لم تعِ تماما ما يدور حولها وبأنها أصبحت حديث ملايين المشاهدين. شيء واحد فقط كان يعنيها ويشدها ويثير اهتمامها، هو إحساسها العميق بهذا النوع الصعب من الفنون.
منذ دخولها المنافسة، كانت إيمان ندا قويا لغيرها من المواهب التي اشتمل عليها الموسم الخامس من البرنامج، وأسست حالة قوية من حب الجماهير لها، ومن إعجاب أعضاء لجنة التحكيم الذين أكدوا أكثر من مرة أنهم أمام “سوبرستار”، وأن أمامها مستقبلا لامعا في عالم الفن، لتكون في النهاية عند توقعاتهم، بنيلها ثقة الجمهور من خلال حصولها على أعلى نسبة تصويت.
إيمان واحدة من كثيرين في وطننا يمتلكون مواهب مميزة، وإبداعات استثنائية. لكن وللأسف لا نلتفت إليهم في كثير من الأحيان، ولا نعترف بهم أو بمواهبهم إلا إذا جاء ذلك الاعتراف من الخارج في البداية، خصوصا عبر برامج معروفة كبرنامج “أرابز غوت تالنت”، فما يكون أمامنا عندها سوى الدخول في “مسلسل” التهاني والتكريمات.
في كل يوم هناك موهبة، على الأقل، تضمحل وتتلاشى وتموت قبل أن تمتد إليها الأيدي لتكتشف عمق إبداعها وأصالته. حدث ذلك على الدوام، حتى قيل ذات يوم إننا فاشلون في صناعة النجوم، ليس هذا فحسب، بل نحن، أيضا، قادرون على أن “ننزع” الإبداع، وأن نحول النجوم إلى رتيبين ومملين.
هي دعوة لمؤسساتنا؛ الرسمية والأهلية، لكي تكون عونا لأصحاب المواهب من أجل أن يصبحوا أفضل سفراء لبلدنا، وأن تكون هذه المؤسسات معنية بالفعل بدعم الإبداع، وأن لا ننتظر “شهادة الآخرين” لكي نتنبه إلى ما لدينا من كنوز.
على مؤسساتنا الرسمية أن تضع برامج خاصة للكشف عن الموهوبين، لا تدخل فيها الواسطة والمحسوبية و”الدلال”، وأن تخصص المؤسسات الأهلية جزءا معينا من أرباحها لدعم هذه المواهب.
بدون ذلك، سنظل دائما ننتظر الآخرين لكي يأخذوا بأيدي نجومنا، وسنظل كذلك، نراقب عشرات المواهب تذوي وتموت أمام أعيننا.