العين هيفاء نجار*
لست خبيرة في علم النفس وسيكولوجيا التكيف والتغيير، ولكنني أرى أنه من الضروري أن نعمل جميعا – تربويين وخبراء في علم الاجتماع والإنثروبولوجيا وعلماء نفس وإرشاد نفسي ورواد أعمال وفنانين ومبدعين ورجال مال وأعمال واقتصاد – من أجل التحضير لمرحلة التكيف للمرحلة القادمة (أي مرحلة ما بعد الكورونا COVID -19).
إن الإعداد للمستقبل سواء كان قصير الأمد أم طويل الأمد بحاجة إلى توحيد قدراتنا من أجل اعتماد تعلم جديد والتخلي عن التعليم القديم، وبناء منظور جديد لمفهوم التعليم والتعلم والتكيف والتفكير البدائلي المبني على التفكر والتأمل. فمن خلال منظوري التربوي أرى أنه من الضروري التأكيد على قيم المرونة والصمود والدافعية الذاتية والاستمرارية والالتزام بالخطة أثناء التنفيذ، وعدم التراجع عنها نتيجة للصعوبات التي تواجهنا، فالمعالجة تكون بالمواجهة لا بالانسحاب، بالصمود والتكييف من جديد، والتعاون مع الآخرين، وفتح المجال واسعاً أمام الأفكار ومحاورتها بشفافية وروحانية، مبنية على التعاون من أجل الخير العام والتوازن الكلي. كما أرى ضرورة اعتماد المنهج الشمولي التكاملي في الحياة، ذلك المنهج الذي يعنى برعاية الإنسان من كافة الجوانب النفسية والاجتماعية والتربوية والقيمية والثقافية والاقتصادية والروحية وربطها معاً.
ويجب علينا جميعاً العمل من أجل وقف عزلة مناحي الحياة المتعددة ومحاورها وأبعادها المختلفة والمتنوعة عن بعضها البعض. فالأمن الاجتماعي وتحقيق أردن آمن مزدهر يعيش مواطنوه وساكنوه بأمان يأتي من شخصية فردية ومجتمعية متكاملة ومنسجمة مع ذاتها، تحترم الإنسان والبيئة التي يعيش فيها ويعمل على حمايتها والتكيف معها بإيجابية، كما يعمل على التغيير بالتعاون مع أخيه الإنسان بمحبة. ومن أجل بناء علاقة التكيف هذه، لا بد أن ندرك أننا نحن من يشكل عالمنا ماضياً وحاضراً ومستقبلاً بروح الإنسانية المشتركة، والتي تبدأ من معرفتنا لذواتنا دون تضخيم، وفي الوقت نفسه دون الشعور بالنقص. وبعد التعرف على الذات نتعمق في فهم هويتنا وثقافتنا وجذورنا لننطلق بشخصيتنا الواضحة لنشكل كينونتنا وننطلق بها للعالم معرفةً وتجديداً وابتكاراً بثقة ومحبة.
إن هذا يتطلب منا التعاون معاً لبناء هذا المجتمع التكاملي، حيث يعمل عالم النفس مع عالم التاريخ، كما يعمل المتخصص في الطفولة المبكرة مع عالم الرياضيات والعلوم الطبيعية ليبدأ تعلمنا من ذواتنا الفردية والجمعية، ومن علاقتنا بالمكان الذي نحب ونحترم، فنبني علاقة خاصة به، فنزرع الشجر ونحصد الثمر ونوظف الخير الموجود في الدنيا من أجل البناء، بناء الإنسان أولاً قبل بناء الحجر. فلا معنى للتقدم التكنولوجي والصناعي وصناعة الطيران والأجهزة الالكترونية المتطورة وكل ما يتصل بالحديث والعصري، مع أهميته، إذا لم نبنِ الإنسان جسداً وقلباً وقيماً وعقلاً وروحاً. فتمكين الإنسان والمجتمع يبدأ بوقف عزلة الاقتصاد عن الحياة، ورأس المال عن الاستثمار بالإنسان وصحته الجسدية والنفسية والقيمية والروحية، وقدرته على التواصل مع ذاته ومع الآخر، إذ لا قيمة للمال والاقتصاد والتخطيط ما لم يُقدّر البعد الإنساني للحياة أولاً.
نعم سنجدد الثقة بالذات، وبقدراتنا على التكيف والتأقلم مع الواقع الجديد، وسنعمل بجدية وتشاركية كاملة لإيجاد وسائل أفضل لنا من خلال تفكيك تعلمنا السابق لنبدأ تعلماً جديداً نجدد من خلاله صمودنا من أجل الأجيال القادمة، لتعيش الحياة بكل بهائها وجمالها.
- المديرة العامة لمدرستي الأهلية والمطران