اتجاهات روحية جديدة في إسرائيل

تتحدث دراسات إسرائيلية كثيرة عن اتجاهات دينية وروحية جديدة في إسرائيل، وهي بطبيعة الحال اتجاهات عالمية لا تخص ولا تستثني بلدا في العالم، وربما تكون إسرائيل تمثل حالة نموذجية لا تشبهها إلا الولايات المتحدة الأميركية في التنوع والاختلاف الجغرافي والاثني والديني، لكن تشكل الظاهرة في إسرائيل تحديا خاصا، وهي تحاول أن تؤكد على يهودية الدولة في مرحلة تبدو اليهودية تتعرض لتحديات وجودية أو إعادة تعريف. وربما يكون سؤالا سابقا لأوانه لكنه وارد جدا في المستقبل؛ كيف يرى الإسرائيليون أنفسهم، وماذا يريدون من الآخر أن يراهم؟ وبالطبع فإن السؤال سوف يشغل أتباع جميع الأديان التي تواجه حراكا وتحولات ومفاهيم جديدة مختلفة عما استقر عليه وعرفه الجيل القائم.اضافة اعلان
هي بالطبع ظواهر تحدث دائما في تاريخ الأمم والأديان في مراحل من التطورات والتحولات الاقتصادية والاجتماعية، فقد صاحبت المطبعة والثورة الصناعية تحولات مسيحية كبرى تمثلت بظهور الطوائف البروتستنتية والانجيلية، وشهد أيضا عالم الإسلام والمسلمين في مرحلة الدولة الحديثة في القرن التاسع عشر ثم القرن العشرين نشوء حركات وجماعات ومذاهب بل وأديان جديدة، مثل البهائية والقاديانية والبابية ثم الجماعات الإسلامية المنظمة والسياسية مثل الإخوان المسلمين والسلفيات وحزب التحرير، والتي أنشأت مفاهيم وتطبيقات دينية جديدة غير مسبوقة، وكذا ظهرت في اليهودية جماعات القابالاه والمسيانيين.
اليوم تتشكل في إسرائيل والمجتمعات اليهودية اتجاهات روحية وثقافية جديدة؛ نعرف منها بشكل واضح وصارخ الجماعات اليمينية والأصولية التي صارت تؤثر في السياسة والدولة في إسرائيل على نحو مختلف اختلافا جوهريا وعميقا عن فلسفة وتاريخ الصهيونية المؤسسة لإسرائيل، وتشير دراسة علمية نشرت في العام 2014 للباحثة راشيل بورتزبيرغ والباحث بواز هاس وهما متخصصان في الفكر الديني اليهودي في جامعة بن غوريون، إلى ظواهر وأحداث واتجاهات جديدة بين الشباب اليهود والمسلمين في إسرائيل، مثل اليوغا والتصوف والتأمل البوذي، أو أنشطة وبرامج دينية مشتركة بين اليهود والمسلمين والمسيحيين، وعلى سبيل المثال فقد تجمع في العام 2014 عدد من الناشطين اليهود والمسلمين، بمشاركة رجال دين، وتليت الصلوات والتراتيل بالعربية والعبرية المأخوذة من التوراة والمزامير. وأشارت الدراسة إلى بعض المشاركين بالاسم مثل الشيخ إبراهيم أبو الهوى، والرابي يوسي فرومان ابن الرابي مناحيم فرومان.
وفي دراسة أخرى نشرت في العام 2012 للباحثة ماريانا روح- مدبار بعنوان الاتجاهات الروحية للجيل الجديد من اليهود، أشارت إلى اتجاهات جدية تجمع بين اليهودية وروحانيات العصر الحديث، وهي اتجاهات كما تقول الباحثة تنتشر على نطاق واسع، وتكتسب قبولا في المجتمع الإسرائيلي كما في جميع أنحاء العالم.
ويعتبر بعض الباحثين هذه الاتجاهات بأنها دين جديد أو هي مفاهيم مختلفة اختلافا عميقا وجوهريا عن التدين السائد، مثل الاهتمام بالحياة الداخلية للإنسان والاستماع إلى الذات، أو اتجاهات جديدة في أسلوب الحياة مستمدة من أفكار وقيم روحية، وهي أقرب إلى الوصف بأنها "روحانية" أكثر مما هي دينية منظمة، إذ لا يخضع أتباعها لقواعد ومدونات دينية واجتماعية أو هياكل ومؤسسات دينية هرمية، أو الاعتقاد بحصرية الصواب، ولا تتنافس مع الأديان الأخرى أو المختلفة ولا تعاديها، وفي أحيان تتخذ مواقف وأفكارا مخالفة أو مناهضة للأيديولوجيات التقليدية السائدة مثل العلمانية والليبرالية، وفي أحيان تتبنى مفاهيم لاهوتية يمكن وصفها بالوثنية الجديدة، مثل تقديس الطبيعة أو إعادة إنتاج الصوفية في اتجاهات وأفكار فلسفية وروحية، ولم يعد ممكنا في إسرائيل تصنيف هذه الاتجاهات والجماعات على العلمانية كما أنها بالطبع ليست من المتدينين التقليديين أو الأصوليين.
إن النخب السياسية يغلب عليها التفكير للمستقبل بأدوات وقيم تتعرض للزوال أو التغير، وفي ذلك فإن فهمنا للصراع والتسوية والمعاهدات ربما يكون منفصلا عما يفهمه أو يريده الجيل الجديد والقادم.