احتلال بيروت

ها هي بيروت تستباح مرة أخرى. لكن المحتل هذه المرة ليس العدو الإسرائيلي الذي لا يتوقع منه إلا العدوان والغطرسة. المعتدي هو "شريك الوطن"، حزب الله الذي قدم وطنه فريسة لإيران تستبيحه وهي تتمدد في بلاد العرب وعلى حسابهم.

اضافة اعلان

يستطيع حزب الله أن يفتخر بنصر سهل على البيروتيين. ويستطيع أن يعرض شباب "العدو" وهم يعترفون تحت تهديد فوهات البنادق بعظمة الحزب على شاشة "المنار". لكنه لا يستطيع أن يدعي بعد اليوم وطنية وقدسية لسلاح أسال الدم اللبناني على شوارع بيروت.

 مفجع حجم المنحدرات التي انزلق إليها حزب الله. المقاومة التي استحقت ذات يوم احترام كل العرب لتصديها للعدو الإسرائيلي استحالت ميليشيا تقتل الأبرياء وتعتدي على وسائل الإعلام وتقود انقلابا عسكريا على الدولة.

 ولن تنفع خطابية حسن نصر الله وكل ادعاءات الوطنية في تجميل المشهد البشع الذي تشهده حواري بيروت. سقطت صورة حزب الله في شوارع بيروت.

 فأي وطنية تلك التي تبيح تدمير لبنان لحساب ايران؟ وأي قدسية لسلاح سمح اللبنانيون لحزب الله بتكديسه لمواجهة العدو فإذا به يوجه إلى صدورهم؟

 لا يصدق أحد أن حزب الله احتل بيروت احتجاجا على قرار الحكومة ملاحقة من بنى شبكة اتصالاته غير الشرعية قضائيا.

 فحزب الله يعرف أن الشرعية اللبنانية غير قادرة حتى على دخول شارع في الدولة التي بناها داخل لبنان، فكيف تستطيع أن تفكك شبكة يحميها مسلحوه بقوة سلاحه الذي ثبتت فتكيته ضد المواطنين اللبنانيين؟

حزب الله خطف بيروت لأنه يريد ان يفرض سلطته بالقوة على كل لبنان وإلغاء الأصوات التي تطالب باستقلاله وسيادته وتحرره من السطوة الفارسية ووصاية النظام السوري.

 لا بد من رفض كل ما ارتكبه حزب الله من جرائم في بيروت، بدءا من الانقلاب العسكري على الشرعية ومرورا بالاعتداء على كرامة البيروتيين وكبح الحريات الإعلامية.

 وما يزال أمام حزب الله فرصة التراجع عن خطيئته قبل أن تصبح فاحشة يدفع ثمنها كل اللبنانيين فتنة لن يسلم منها أحد.

على حزب الله أن يتراجع عن انقلابه ويعود وبقية القوى السياسية إلى طاولة حوار تحتكم إلى مصلحة لبنان ودستوره بحثا عن حل سلمي يحفظ حق كل اللبنانيين في الأمن والسلم والسيادة والديمقراطية. عكس ذاك يرتكب حزب الله جريمة يكون السكوت عليها أكبر منها.

 وعلى النظام الرسمي العربي التحرك بفاعلية لحماية لبنان لا أن يحصر فعله بالمواقف الإنشائية. فالذي حدث في لبنان ليس شأنا داخليا كما يدعي من اعتاد استباحة لبنان ودمشق وأهلهما.

ما جرى في بيروت هو احتلال تموله وتدعمه ايران لعاصمة عربية ضمن مخطط أوسع للهيمنة على كل العالم العربي.

وسيندم وزراء الخارجية العرب الذين يجتمعون في القاهرة اليوم كثيرا إن لم يتحركوا عمليا لإنقاذ بيروت.

تغيرت قواعد اللعبة الآن. حزب الله غيرها بالقوة وفرض واقعا جديدا يستوجب رد فعل عربي بحجم الخطر الكامن في هذا التغيير.

تلحّف حزب الله بالوطنية سنوات طويلة فحصل على قدسية عند كل العرب. لكن بدلا من أن يحترم حزب الله من منحه هذه القدسية، وظفها سبيلا لفرض ثقافته وولاءاته وبناء دولة على أنقاض الدولة اللبنانية.

 وبات الحزب يصدر فتاوى الوطنية، يخون من يختلف معه، ويستبيح من يعارضه، وأخيرا يستعمل "سلاح المقاومة" للسيطرة على بيروت.

 وهذه ليست فعائل حزب وطني مقاوم يستحق أن يدعم. هذه جرائم ميليشيا فئوية أحادية يجب أن تردع.