اختفاء 8.8 مليار دولار من أموال إعادة إعمار العراق

 


    فقدان مبلغ 8.8 مليار دولار من أموال العراق المخصصة لإعادة إعماره، في عهد مجلس الحكم الانتقالي والحكومة العراقية المؤقتة المعينتين من الحاكم العسكري السابق للعراق بول برايمر، ليدل على شمول العدوان الأميركي لكل شيء في العراق، بما فيه الأموال المخصصة لإعادة اعماره، حينما فسح المجال واسعا لاختلاس مليارات الدولارات منها، هذا الاعمار الذي تغنى به الكثير من الأميركان ومن حلفائهم.

اضافة اعلان

 
     سرقة أموال إعادة العراق ليست تهمة صادرة من الجهات المناوئة للهيمنة الاميركية على العراق ومنطقتنا، ليقال إنها تهمة ملفقة ضد دولة الحرية الأولى وراعية النزاهة والديموقراطية في العالم،( ديموقراطية القتل والتخريب واختلاس أموال الشعوب ومقدراتها)، بل جاء هذا الاتهام والتجريم على أيدي الأميركان أنفسهم، حينما خلص تقرير المفتش العام لإعادة اعمار العراق الاميركي ستيوارت باون إلى هذه النتيجة المخزية.


    لقد كشف التقرير عن اختفاء هذا المبلغ والمخصص لإعادة إعمار العراق، وهو من الأموال العراقية الأصل، والمؤلفة من عائدات مبيعات النفط العراقي، والأموال العراقية التي كانت مجمدة خارج العراق لدى الدول الاخرى إبان الحصار الاقتصادي، والمفرج عنها بعد الغزو الأميركي، كما شمل الأموال الفائضة عن برنامج النفط مقابل الغذاء، والتي كانت بمجملها مودعة في صندوق تنمية العراق، الذي كان تحت إدارة سلطة الاحتلال الأميركي والحاكم السابق للعراق بول برايمر.


    لقد حمَّل التقرير، سلطات الاحتلال الأميركي في العراق، مسؤولية جزئية عن تلك الاختلاسات، تتمثل بسوء الإشراف على صرف أموال صندوق تنمية أموال العراق, وعدم وضع ضوابط كافية لتوجيهها وتخصيصها، بسبب غياب الأنظمة المحاسبية والرقابية في الوزارات والمؤسسات العراقية المختلفة، بعد أن قامت سلطات الاحتلال الأميركي بحل أجهزتها الوظيفية، في أعقاب غزوها للعراق واحتلاله، بينما ألقى التقرير بالجزء الأكبر من مسؤولية تلك الاختلاسات على عاتق أعضاء مجلس الحكم الانتقالي والحكومة الانتقالية العراقية ومسؤولي الوزارات والدوائر والمؤسسات العراقية، الذين كانوا حسب التقرير يختلسون الأموال من خلال صرف مرتبات وأجور بمبالغ ضخمة، وفقا لكشوف وهمية ومزورة، إضافة الى تورط شركة هاليبرتون الأميركية في هذه القضية.


      وإذ تبدو عملية تقاسم الأدوار في هذه الجريمة الفظيعة، بين سوء إشراف من قبل سلطات التحالف، وأطراف عراقية تورطت مباشرة في هذه العملية، فإن تلك الاختلاسات وتبديد أموال الشعب العراقي هي مسؤولية أميركية بالدرجة الأولى والأخيرة، فقد كانت تلك الأموال مودعة في صندوق تنمية العراق، الذي أنشأته الامم المتحدة بعد احتلال العراق، وقد وضع تحت إدارة حاكم العراق السابق بول برايمر، وثانيا أن أعضاء مجلس الحكم الانتقالي المسؤولين حسب تقرير المفتش ستيوارت باون عن ارتكاب تلك الاختلاسات، هم بنزاهتهم وبمواصفاتهم الأخلاقية ليسوا إلا من اختيار وانتقاء السلطات الاميركية وممثلها السابق في العراق بول برايمر، وبالتالي فإن منطق المعرفة بالسلوك الاميركي تجاه العراق وغيره من الدول المستهدفة بالمخططات الاميركية لا تقود لنتائج أفضل مما آل إليه مصير الـ 8.8 مليار دولار.


    جانب من هذا الموضوع، هو إدراك الولايات المتحدة الأميركية أن مجمل جرائمها البشعة التي اقترفتها في العراق لا بد أن تتكشف للرأي العام العالمي عاجلا أم آجلا، لذا سارعت باستباق الأحداث، وبادرت بكشف بعض منها، كإعلانها عن تلك الاختلاسات في يوم الانتخابات العراقية المصادف 31/1/2005 أي قبل ظهور نتائج الانتخابات، خشية من اكتشاف تلك الاختلاسات على أيدي المناوئين للإدارة الاميركية ممن قد توصلهم الانتخابات إلى سدة الحكم في العراق، كي تحتفظ الولايات المتحدة الاميركية بخط الرجعة، فتبدو للعالم بأنها هي أول من اكتشف تلك الاختلاسات وليس الحكومة العراقية الجديدة، ولتظهر وكأنها بعيدة عن دائرة الاتهام وبريئة من مسؤولية ارتكاب تلك الجريمة، أما جانب آخر من هذا الموضوع، فهو اعتقادي بأن سلطات الاحتلال الأميركية في العراق كانت ولا تزال متورطة من رأسها وحتى أخمص قدميها باختلاس أموال العراقيين، وذلك انسجاما مع تركيبتها المسلكية الإجرامية أولا، ولتمويل بعض تكاليف احتلالها للعراق ثانيا خصوصا في ظل الأزمة التي يمر بها الاقتصاد الأميركي، لذا فإن واجب أحرار العراق هو أن يكشفوا للعالم جميع ما اقترفته الولايات المتحدة الاميركية بحق شعبهم من جرائم في مختلف المجالات، سواء على صعيد القتل وسفك الدماء، أو على صعيد امتهان حرية العراقيين وكرامتهم، أو تدمير ممتلكاتهم، أو سرقة أموالهم، ليرى العالم الولايات المتحدة الأميركية على حقيقتها، والتي تدعي أنها حامية حمى الديموقراطية والحرية في العالم، بينما هي في الأصل الراعية الاولى للإرهاب والإجرام العالميين.  


    أخيرا، لا شك أن اختفاء مبلغ من الأموال العراقية بهذه الضخامة، خلال فترة وجيزة، إنما يعطينا انطباعا واضحا، وصورة مصغرة، عن نوايا الولايات المتحدة الأميركية في التعامل مع مصالحنا العربية.