"ارتداء الكمامة" شعور بالمسؤولية يتحول من فردي لمجتمعي

Untitled-1
Untitled-1

تغريد السعايدة

عمان- أشهر قليلة تفصلنا عن تاريخ بدء اقتحام فيروس "كورونا" مجتمعنا الأردني، وذلك منذ ظهور أولى الحالات في آذار (مارس) الماضي، وما خلفه من تغيرات اجتماعية وسلوكية، بدت الآن أكثر وضوحاً لدى الغالبية، كما في ارتداء الكمامة، والتباعد الاجتماعي، بعد أن كان الالتزام بهذه الإجراءات أمرا "مستهجنا" في بادئ انتشار الوباء.اضافة اعلان
ضوابط فردية شخصية واجتماعية في الوقت ذاته، كانت سبباً لأن يُقبل الجميع، ومن مختلف الأعمار على ارتداء الكمامة، بعد أن أمسى وجود حالات بأعداد كبيرة واضحة يوميا، فأصبح الكثيرون يرون أو يسمعون بأن قريباً أو صديقاً أو زميلاً مصابا بالفيروس، ما دفع الغالبية لأن يكونوا أكثر التزاماً، حتى أصبح ارتداؤها أمراً اعتيادياً وظاهرة طبيعية "صحية" في محاربة الوباء والتصدي له.
"ومن ملاحظتها اليومية خلال توجهها للعمل كل صباح، والعودة مساءً"، تؤكد بيان أحمد، الموظفة في القطاع الخاص، أنها لمست تغييراً كبيراً بين زملائها وأقاربها ومحيطها، إضافة إلى عامة الناس في الأسواق، أن الجميع بدا أكثر تمسكاً بارتداء الكمامة، وفي معظم الأوقات، وبخاصة عند التواجد في المحال التجارية أو في أماكن العمل.
وتقول بيان عن نفسها "الكمامة رفيقتي بكل وقت، فهي من متطلبات الحياة الأساسية عند الخروج من المنزل، سواء للكبار أو للصغار، خصوصا وأن الجهات الطبية والدراسات والأخبار التي نتابعها يومياً تؤكد أن الحل الوحيد الآن لحماية أنفسنا من عدوى انتشار المرض هي "الكمامة"، على اختلاف شكلها وخامتها".
وقد أثبتت العديد من الدراسات العالمية التي انتشرت على نطاق واسع، منذ ظهور الجائحة ولغاية الآن، أن الكمامة لها الدور الكبير في الحد من انتشار المرض في المجتمعات، خاصة في ظل عدم وجود حظر شامل يمنع تحرك الناس خلال اليوم، لذلك كان لزاماً أن يكون هناك قوانين في الدول تُجبر المواطنين على ارتداء الكمامة وفرض غرامات مالية أو عقوبات، في حال عدم الالتزام.
ومن إحدى الدراسات التي نُشرت، كانت دراسة أعدتها الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة، تؤكد أن "استخدام الكمامة أهم من قواعد التباعد الاجتماعي والبقاء في المنزل"، كما أن الأرقام فيها تشير إلى أن منحنى انتشار العدوى تغير جذريا عندما فُرض استخدام الكمامات في العديد من الدول، بعد أن كانت قبل ذلك بؤراً مرضية.
وبالأرقام، فقد أثبتت الدراسة ذاتها إلى أن ارتداء الكمامة أسهم إلى حد ما في انخفاض معدل الإصابات الجديدة اليومي بحوالي ثلاثة في المائة، في المناطق الملتزمة بالكمامة، وأن تغطية الوجه تساعد على منع انتقال العدوى عبر الهواء، من خلال منع الرذاذ واستنشاق الجسيمات التي تحمل الفيروس في الجو.
"لا أخرج من بيتي أنا وأطفالي دون الكمامة مهما كانت المسافة قريبة"، تقول منى علي، وترى أن الكمامة هي ملاذها الوحيد للحد من إصابتها بالمرض، إضافة إلى الإجراءات الوقائية الأخرى، من تباعد اجتماعي وتعقيم ومحافظة على النظافة بشكل عام.
وتضيف منى، أنها منذ انتشار الجائحة بشكل كبير في العالم، وبعد انتهاء الحظر الشامل، والعودة إلى العمل، قررت أن لا تتخلى عن الكمامة بأي شكل من الأشكال، كونها تعتبرها سلاحها الوحيد في مواجهة المرض، خاصة بعد تأكيد الأطباء ذلك، كما أنها تشعر بالارتياح والاطمئنان، عندما ترى الناس هذه الأوقات أكثر التزاماً بارتداء الكمامة.
ومع انتشار أنواع كثيرة ومتعددة من الكمامات التي تناسب مختلف الأذواق والأعمار، وحتى الحالات الصحية المختلفة، أمسى الحصول على الكمامة أمرا اعتياديا وضرورة لجميع أفراد العائلة، بل وترى الأمهات أن الكمامة للأبناء من الأولويات عند الخروج من المنزل، كما يقول عصام عبد، الذي تحرص والدته على ارتدائه الكمامة أمام عينها قبل التوجه للعمل كل صباح.
"لم يعد أمراً مخجلاً ولا استثنائياً أن يرتدي الشخص كمامته، بل المستهجن هو عدم ارتدائها"، يقول عصام، الذي اختار وضع كمامة من النوع متعدد الاستعمال، بحيث يمكن غسلها وتعقيمها بمادة خاصة لها، واستخدامها مرة أخرى، والسبب أنه يتردد كثيراً إلى أماكن عدة في اليوم ذاته، ومن الصعوبة تبديل الكمامة في كل مرة يتم ارتداؤها.
اختصاصي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع، يؤكد أن ما يحدث الآن من انتشار متسارع في حالات الإصابة بـ"كورونا" ووجود نسب عالية من حالات الوفاة، مقارنةً بالفترة الماضية، أسهم إلى حد كبير في ولادة شعور الخوف والحذر لدى الناس، ما دفعهم إلى ضرورة تغيير واضح في سلوكهم اليومي المعتاد، وهو ارتداء الكمامة، حتى باتت أمراً شائعاً ومالوفاً في المجتمع.
النصائح اليومية والتنويه من قبل الأطباء والمتخصصين والدراسات العالمية التي تؤكد أهمية ارتداء الكمامة في الوقت الراهن، كانت كفيلة بأن تجعل الناس يقبلون على الانصياع لتلك النصائح الوقائية التي تحميهم من المرض، كما يرى جريبيع، إضافة إلى أن الخوف من المرض ووجود حالات مرضية بالقرب من محيط الشخص، جعلاه يخشى على نفسه وعائلته.
ويتابع جريبيع "وتكرار هذا السلوك الوقائي، جعل الالتزام بالتعليمات الصحية الوقائية أمرا مفروضا على الجميع، ليتحول هذا السلوك من فردي إلى مجتمعي، وبالتالي انكسار ثقافة الخجل من ارتدء الكمامة والتباعد الاجتماعي الذي نراه الآن في المناسبات العامة".
ويؤكد جريبيع أن الثقافة الوقائية يجب أن تترسخ في المجتمع في ظل وجود الوباء، وعلى جميع الجهات المتخصصة والتوعوية أن تؤكد هذا الأمر، حتى يصبح فيما بعد سلوكا ثقافيا واعتياديا، يحمي المجتمع ككل، لكسر تسلسل المرض، عله يتحول بعد ذلك إلى سلوك وقائي دائم يحمي المجتمع من أي نوع من الأمراض الفيروسية.