نشرت شركة إيبسوس في الأردن قبل أيام مؤشرها لقياس مدى ثقة المستهلك بالاقتصاد، حيث بين المؤشر لشهر 11/2008 أن ثقة المستهلك كانت 50% (أي أن المستهلك ليس متفائلا أو متشائما). قيمة المؤشر تعني أن معدل القلق أو الحيرة لدى المستهلك، حسب المبادئ الرياضية ونظريات كثيرة ومنها ما كتبه العالم فرانك نايت، وصل الى أعلى مستوى قد يصل إليه. أي أن المستهلك لا يعرف ما يفعله تجاه الاقتصاد: هل يتفاءل أم لا؟ وبالتالي، هل ينفق أم لا؟ ويندرج هذا أيضا على المستثمر: هل سيستثمر أم لا؟ وفي هذه الحالة يكمن دور الحكومة في التخفيف من هذا القلق، بل إن دور الحكومة الناجح هو رفع وتيرة الثقة لدى المستهلك والمستثمر.
بداية، نشير إلى أهمية مؤشر ثقة المستهلك، لأن المؤشر يعطي انطباعا عن توجه الاقتصاد المستقبلي، ونشكر جهد شركة إيبسوس التي قامت بتصميم وقياس المؤشر على نفقتها الخاصة، وكان الأحرى بالحكومة ومراكزها البحثية القيام بذلك. حيث يمكن الاستفادة من هذا المؤشر لمعرفة توجه الاقتصاد، فتفاؤل المستهلك يؤدي الى زيادة الانفاق، وبالتالي رفع وتيرة الانتاج (العرض) لسد حاجة الطلب. أما التشاؤم بالنسبة للوضع الاقتصادي، فيدعو عادة إلى الحرص في الانفاق خوفا من مغبات الزمن وبالتالي الى انكماش الطلب الحالي، ومن ثم الى الركود لأن جانب العرض يبدأ بتقليل إنتاجه مع انحسار الطلب وتسريح العاملين فيندحر الاقتصاد نحو مرحلة الركود.
كانت تصريحات المسؤولين الأولية حذرة جدا ومتشائمة ومتأخرة مقارنة بدول المنطقة. كل هذا على الرغم من تأكيداتنا هنا وفي مواقع أخرى كثيرة بأن لا أثر للأزمة العالمية على الأردن إلا ما سنخلقه بأيدينا من تشاؤم ومن خلال سياساتنا التقليدية المبنية على مبدأ: لا تفعل شيئا وانتظر.
كلفنا كل يوم انتظار الكثير من الطاقة الكامنة الاقتصادية، وحين بدأت بعض التصريحات المتفائلة بالخروج وكأنها درر شحيحة الوجود وبتحوطها غير المرتكز على البحوث والدراسات، كان القلق قد بدأ، وبدأت معه حيرة المستهلك بالتزايد نحو الوضع الاقتصادي. أضف الى هذه الحيرة عقم السياسة النقدية في الأردن وتصلبها، بل تشنجها، المعهود نحو أي مبادرة تجعل منها جزءا من المنظومة الاقتصادية اللازمة، فإننا نجد أن السوق المالية تراجعت، وتراجعت حركة البناء مع أن أسعار المواد الأساسية كالحديد والاسمنت هبطت الى مستويات محفزة للبناء (طبعا ساعد في التراجع رفع رسوم تسجيل الاراضي من خلال تقييم الاراضي من قبل دائرة المساحة والأراضي بأسعار تفوق سعر السوق، وهي حيلة قديمة ما كان لها أن تنجح لو أن القائمين على السياسة المالية نظروا بوعي الى الاقتصاد وتوجهاته).
عملا بمبدأ “تفاءلوا بالخير تجدوه”، تستطيع الحكومة أن تعيد الثقة للمستهلك وتخرج الاقتصاد من مرحلة التباطؤ والركود من خلال حملة توعوية وحوارات شفافة وتصرفات إيجابية تعيد الوعي الى السوق فتساعد المستهلك في صناعة توقعاته وقراراته بموضوعية وعلم، وتنهي بذلك ايضا حيرة وقلق المستهلك، لتعود باقتصاد السوق الى التفاؤل وتنهي أزمة ما كان لها أن تكون.