استشر طبيبك

كثيراً ما تتردد هذه العبارة؛ "اسأل الطبيب" أو "استشر طبيبك". تسمعها من العاملين في مجال الأدوية والصيدلة، أو في مجال العلاجات الفيزيائية والنشاطات الرياضية، ومن اختصاصيي التغذية، ومجموعات دعم المرضى، ومختلف النشاطات البشرية المنظمة، والتي تلتزم بمعايير علمية ومهنية، وتعمل بالتكامل والانسجام مع الطب الحديث. فهل هذه الدعوات تبالغ في التأكيد على الرجوع إلى الطبيب في الأمور التي تتعلق بالصحة والمرض والعلاج؟ اضافة اعلان
على الجانب الآخر، تجد إعلانات تملأ الفضاء الإعلامي تتحدث عن منتجات وجهات تعالج مستعصيات العلل والأدواء، من دون أن تلتفت إلى استشارة الطبيب، مع أنها تخاطب مرضى قد تتعدد عللهم والأدوية التي يتناولونها. فتجد عند هذا القطاع إسرافا في الجرأة، وفرطا في الثقة في خطابه للطيف الواسع من المرضى.
صحيح أنه ليس كل الأطباء منزهين عن الهوى والتربح في عملهم، ولا كلهم على القدر ذاته من المعرفة والخبرة والمتابعة للمستجدات في عالم الطب والعلاج، وعلم الأدوية، والاهتمام بالحالة التي يقومون بعلاجها ومتابعتها؛ هذه حقيقة لا مراء فيها. لكننا قد نتفق على أن الطبيب، وقبل أن يُسمح له بممارسة المهنة، يكون قد اجتاز سنوات من التعليم والتدريب، بما يكفي للحصول على أعلى الدرجات العلمية في معظم المعارف البشرية والتخصصات العلمية التي تؤهله لممارسة مهنته كطبيب. هذا بالإضافة إلى أن الطبيب يعمل ضمن منظومة من القوانين والممارسات التي ترعاها مؤسسات محلية وعالمية، هي ثمرة تراكم الخبرة البشرية، والتقدم العلمي، والإنفاق السخي في مجال الرعاية الصحية.
ما يزال أمام الطب الكثير ليقدمه، وأوجه القصور فيه معلومة. لكنه يبقى أفضل ما لدى الإنسان اليوم لمواجهة العلل والأدواء، وهو في تقدم دائم، ومراجعة مستمرة. وللطبيب دور مهم في عالم تشخيص المرض وتوفير العلاج الملائم.
حين أسمع من يزعم أن عنده علاج حاسم لأمراض مستعصية، يتملكني العجب! لماذا لا يتوجه مخترع هذا الدواء -اذا كان يؤمن بما يدعي- إلى شركات الأدوية، ومؤسسات الطب ليحصل على الثروة الطائلة، والتقدير والاعتراف العلمي، وبذلك يجمع طرفي المجد؟! ولا يخفى علينا كم يتكلّف البحث العلمي من جهد ومال من أجل تطوير علاج واحد، فكيف لا يجد علاج شافٍ وفق ما يدعي صاحبه، ما يكفي من العائد؟
استشارة الطبيب لا تتعارض مع وعي المريض، والإنسان المعافى، وفهم الجوانب الصحية ومناقشة الطبيب، وقراءة نتائج الفحوصات، والحصول على "رأي ثان" عند الحاجة. فكل ذلك من أعمدة المنظومة الصحية والعلاجية. وكذلك  مجموعات المرضى وعوائلهم، وهي التي تعاظمت أهميتها مع ثورة الإنترنت، وربما تصلح أن تكون موضوعا للقاء قادم.