استطلاعات الرأي

لو ذهبت إلى الصالون عندنا فسيسألك الحلاّق وبأعلى الصوت عن المُبتدئ الجاهل الذي قام بقصّ هذا الشيء (أي رأسك) من قبل. والدكتور والمُهندس ومعهما خبيرة التجميل سيطعنون بإجراء من سبقهم. ولا بدّ وأن يُشير الصانع إلى سوء المصنعية ووصف عمل من قبله بأنه (غير نظيف). ومن السهل على عقل الكاتب والصحفي والشاعر والسياسي وطالب العلم لدينا نفي أيّ من الروايات التي حدثت قبل تاريخ ولادتهم! ويُسعد أي رئيس ومدير ووكيل ووزير إقناعك بأنّه المُؤسس. ولو أخذت أحدا لمُعاينة أرض أو بضاعة فسيصعب الشراء بعد الانتهاء من الاستماع إلى السلبيات التي تمّ وضعها وبكثافة على الطاولة. وبالاجتماعات تظهرُ عندنا الخلافات لا القواسم. ولو سألت الأردني عن أي حال فسيبتدئ بعد ترسيم الحدود، بالنقد اللاذع ولكن لتكتشف (بعد حُسن استماع) بأنّ العمل والصحّة والزوجة والأولاد والمال والسيارة وبالواقع الدنيا وكل شيء آخر، هو بالحدّ المعقول والطبيعي بخير. وأعتقد أن هذا هو نوع من البرمجة العصبية التي تلتقي باللغة لدينا لتُنتج ردود أفعال واستجابات مُعلّبة وجاهزة ومصدر ذلك التربية التي ما تزال تعمل بعُقد المُقارنات غير المُنتجة بالمُؤسسات. وباللغة يتم التركيز على الاستثناء لا على القواسم المُشتركة من مثل: (أحسن رئيس وأفضل مدير وأذكى طالب وأبدع ملحن وأغنى تاجر) لتلصق بالدماغ فكرة أنّ من يقومون بالعمل هم فقط الابطال، ولن يوجد بعدهم وتلك نظرية خاسرة وفاشلة بالتربية. ولهذا قامت مدارس أوروبا بإلغاء (الامتحان) واستبدلته بتعريف آخر وهو (الاستمرار بالأداء.). بالواقع نُمارس المُناكفة اللفظيّة بسعادة فإن أردت نعم أجاب لا حتى بوجود الاتّفاق، وهي خصيلة جليّة بالتحاور. تُعترضُ النقاشات والتعاملات كثيرا بكلمة لا وتلك عادة. باختصار شديد يتمُّ تناول وتعبئة الاستبيانات لدينا مثل فحص للغضب أو مثل امتحان فيحدث الكثير من الاسقاط. ولهذه الأسباب لا أعوّل على استطلاعات الرأي. في القانون تعلّمنا عند استجواب الشهود ألا تسأل الشاهد سُؤالا تجهل أو لا تعرف إجابته، وغير ذلك فعلى المُحامي أن يعود إلى بيّناته وإلى استحضار الدليل لأنك لو سألت البعض عن التُفاحة فسيُجيب مضروبة ما لم يلتقطها هو وبيديه الاثنتين من أعلى الشجرة المجهولة. باختصار لو سألت إنسانا عن أي إنسان آخر لدينا بالذات بالعمل العام فسيصفه إما بعدم الكفاءة أو أسبغ عليه مُطلق البطولة، لا شيء بالمُنتصف.اضافة اعلان