استعادة الثقة بالمؤسسات

باستثناء المؤسسات العسكرية والأمنية ، التي تتمتع بثقة مرتفعة من قِبل المواطنين، فإن الثقة بالمؤسسات العامة المدنية، رسمية كانت أم غير رسمية، متدنية لدرجة يجب أن تبعث على القلق.

اضافة اعلان

الثقة بالمؤسسات لا تشير الى تقييم أداء مؤسسة في مرحلة معينة، وإنما تشير الى الثقة بالمؤسسة من منظور دورها بوصفها مؤسسة في سياق العملية السياسية والإدارية ، وتشير أيضاً الى شكوك المواطنين بقدرة هذه المؤسسات على القيام بأدوارها، كما هو مرسوم لها بالدستور.

بالرغم من أن هناك تفاوتاً في درجات الثقة بالمؤسسات الرسمية ، إلا أنها تراجعت بشكل ملحوظ في السنوات الماضية ، سواء كنا نتحدث عن الحكومة أم القضاء أم  المؤسسة الإعلامية أم البرلمان.

التراجع الكبير في ثقة المواطنين بمجلس النواب، قد يكون الأهم من بين المؤسسات الرسمية الأخرى، وذلك لدور البرلمان في الدستور الأردني ، وكونه مجلساً منتخباً من المفروض أن يعكس مصالح المواطنين الأمنية والاستراتيجية . وعليه ، فإن تراجع الثقة بمجلس النواب يؤدي الى تراجع الثقة بالعملية السياسية والديمقراطية بشكل عام.

لعل من أبرز العوامل التي أثرت بالتراجع التدريجي للثقة بمجلس النواب، هو ما كان يشوب الانتخابات البرلمانية من مشكلات سواء كان من خلال التدخلات في العملية الانتخابية أو باستخدام المال لكسب الأصوات ، أو الضغوطات الاجتماعية على الناخبين ، ما أدى الى فقدان الثقة بالعملية الانتخابية (الآلية) ، وأدى مع مرور الوقت لتراجع نسبة المشاركة بالانتخابات لدرجات مقلقة. إضافة الى ذلك أيضاً، الغياب الكبير للأحزاب عن العملية الانتخابية . وعليه ، فإن مخرجات الانتخابات أفرزت أعضاء في البرلمان غير مسيسين وليست لهم خبرة في الحياة والمصلحة العامة.

نتيجة لذلك، وعلى مدى دورات مختلفة، أفرزت الانتخابات بعض النواب الذين يعملون لمصالحهم الشخصية أكثر من المصلحة العامة ، ما ساهم في تراجع أداء نسبة كبيرة منهم.

مسألة أخرى ساهمت بضعف المؤسسة البرلمانية وتراجع الثقة بها ، هو قدرة الحكومات المتعاقبة على "هندسة" مجلس النواب أو عدد كافٍ من النواب ، وتمرير رغباتها أو فرضها على المجلس. وهذا كان يتم ابتداء من الحصول على الثقة أو تمرير القوانين أو بعض السياسات . هذه الهندسة ولدت انطباعاً لدى المواطنين بأن المجلس لا يتمتع بالاستقلالية الكافية ، لا بل أكثر من ذلك بأنه أصبح تابعاً للحكومة. 

طبعاً عملية الهندسة هذه كانت من خلال الاستجابة لمطالب بعض النواب الشخصية والمرتبطة بمصالحهم الاقتصادية أو الاجتماعية. وعليه ، استطاعت الحكومات من الوصول لما يمكن تسميته بـ "السيطرة الناعمة" على المجالس النيابية المتعاقبة.

هذه " الهندسة" و"السيطرة الناعمة" تعتبرها الحكومات نجاحاً كبيراً لها ، ولكن التجربة تثبت أن هذا خطأ كبير ، لأن إضعاف المجلس النيابي لا يصب في المصلحة العامة ، ويؤدي الى ضعف الحكومة نفسها أمام المواطنين ، وفي الوقت نفسه لا يؤدي الى حصانة حكومية على المستوى الشعبي ، لا بل على العكس ، فإن ذلك انعكس سلباً على الثقة الشعبية بالحكومات وتراجع العمل البرلماني.

الإصلاح السياسي المتضمن بكتاب التكليف السامي، يجب أن يتضمن إعادة رسم العلاقة ما بين الحكومة ومجلس النواب ، وأن تتبع الحكومة نهجاً جديداً مع المجلس مبنياً على الحوار والإقناع والشراكة في سنّ القوانين وفي الأداء العام بدلاً من الهندسة التي تقوم على الإغراءات وتلبية مصالح بعض النواب ، وهذا يتطلب تغييراً حكومياً في النظرة للمجلس، لأنه لا بد من استعادة الثقة بأهم المؤسسات الوطنية حسب الدستور الأردني.