استعدوا.. بدأت الحرب

وكأننا على وشك الدخول في حرب؛ استعدادات على كل الجبهات، قوات تمركزت على كل القواطع سبقها استنفار أمني  لتأمين الجبهة الداخلية، شمل في ما شمل من إجراءات توقيف مشتبه بهم، وتحذير آخرين من مغبة اللعب من وراء ظهر قواتنا.اضافة اعلان
وفي مثل كل الحروب لابد من تعطيل قدرات العدو، والتشويش على اتصالاته، فكان أن جرى وضع أجهزة التشويش على خطوط التماس المتقدمة.
الاستعداد لبدء امتحانات التوجيهي تحوّل إلى ما يشبه دخول الحرب فعلا؛ بيانات وتصريحات وزير التربية والتعليم في الأيام الفائتة، كانت أقرب ما تكون إلى لغة البيانات العسكرية. عقد من الاجتماعات مع المسؤولين الأمنيين أكثر منها مع التربويين، لاحق البلاغات بحق المتورطين في تسريب الأسئلة في الدورات السابقة، حذر وتوعد بنصر مبين على كل من تسول له نفسه الاقتراب من قاعات الإمتحان.وهدد بالفصل والطرد بحق أي طالب يفكر حتى بالاقتراب من نافذة القاعة. غيّر وبدل في تكتيك الأسئلة ليحرم الغشاشين من فرصة الانتفاع من أوراق الأسئلة المهربة من قاعات الامتحان.
لم يترك منفذا محتملا للغش إلا وسده، ونشر قواته خارج القاعات وداخلها؛ مراقبون على المراقبين، وسيارة مجنزة لنقل أسئلة الامتحان. منع "الخلوي" بكل أنواعه، وحرم"الواتس آب"، ولو كان بمقدوره لعطل شبكات الاتصال في البلاد طوال أيام الامتحان. وليس مستبعدا في قادم الأيام ان نستعين بمراقبين أجانب للإشراف على امتحانات التوجيهي والتأكد من نزاهتها.
الوزير معذور، فتسريب الأسئلة كل سنة تحول لكابوس يؤرق وزراء التربية؛ أطاح بسمعة الامتحان، ونزع مصداقيته في عيون الناس، وأضر بسمعة الحكومات، ووزراء التربية.
لقد تحول الامتحان بالفعل في السنوات الأخيرة إلى مهزلة. يقول تربويون على اطلاع أن المئات من الطلبة نالوا معدلات عالية بفضل الغش.
لم يعد الغش في الامتحان ممارسة فردية، فقد تحول إلى عمل تديره شبكات من المنتفعين، بينهم أساتذة وموظفون، وتجار، ناهيك عن الطلاب. ولايحدث ذلك من وراء ظهر الأهالي، إنما بمعرفتهم، وتشجيع بعضهم أيضا.
الظاهرة لم تبرز فجأة، بل نمت وتوسعت على مدار سنوات، كانت خلالها الحكومات تصر على دفن رؤوسها في الرمال، حتى وصلنا إلى مرحلة فاقت فيها قدرة عصابات التوجيهي، وأساليبهم في الغش، قدرة الأجهزة الحكومية على ضبطها.
ولما استمرت الحكومات في التساهل بتطبيق القانون، وصل الأمر إلى حد اقتحام قاعات التوجيهي بالأسلحة الرشاشة، وإملاء الأجوبة على الطلبة الممتحنين، دون أن يتمكن أحد من محاسبتهم.
ربما تكون ملاحظات التربويين على امتحان التوجيهي في مكانها، وثمة حاجة بالفعل إلى تطوير طريقة الامتحان، وهناك  سيناريوهات مطروحة لمراجعة "التوجيهي" نسمع بها منذ سنوات. لكن الاعتراض على طريقة الامتحان شيء، والتجاوز على القانون شيء آخر.
ما يحصل لنا في"التوجيهي" هو مثال صارخ على الثمن الذي ندفعة دولة ومجتمعا، حين يصبح التهاون في تطبيق القانون أمرا شائعا، لابل مقبولا. فما يفترض أن تكون قاعات امتحان تتحول إلى ثكنات عسكرية. والعملية التربوية أصبحت عملية أمنية نعد لها الأمن والدرك كي تنجز المهمة بأقل الخسائر.
كلما تساهلت الدولة في تطبيق القانون، ترفع على نفسها كلفة تطبيقه لاحقا، وقد تجدها في مرحلة من المراحل عاجزة حتى عن دفع الكلفة.
في الدولة الأردنية صارت الكلفة الأمنية لإنفاذ القانون عالية، لفرط تساهلنا سنوات.

[email protected]