اسلوب ترامب: الاحتقار والضرب الشديد

هآرتس

حيمي شليف  13/9/2018

دونالد ترامب يدفع الفلسطينيين نحو الزاوية، هناك يضربهم بشدة ويقوم باهانتهم ويمرغهم في التراب – كل ذلك، يقولون لنا، من اجل اغرائهم على العودة الى طاولة المفاوضات. الفلسطينيون يقاطعون حقا الولايات المتحدة منذ الصفعة التي تلقوها بقرار نقل السفارة الأميركية الى القدس، لكن المبدأ الموجه لسياسة ترامب نحوهم هو أن ما لا يتم بالقوة سيتم بقوة اكبر. كلما عذبوه فهو سيتنازل ويتراجع. وحتى اذا لم يحدث ذلك، فعلى الأقل بنيامين نتنياهو وشلدون ادلسون وملايين الافنغلستيين سيكونون راضين.

اضافة اعلان

اغلاق ممثلية م.ت.ف هو فقط الضربة الاخيرة في سلسلة الضربات التي تلقاها الفلسطينيون من ترامب والكونغرس الجمهوري خاصته، التي وتيرتها تتزايد. ترامب ينقض عليهم بكل قوته وفي كل الجبهات. هو يقف الى جانب اسرائيل في كل حالة، ويوبخ الفلسطينيين في كل مناسبة. هو يبعد عنهم العالم العربي ويضيق تحركهم في الامم المتحدة والمؤسسات الدولية. هو يزيل عن الطاولة بهراء كلامه مطالبهم الوطنية الرئيسية بشأن مواضيع اساسية مثل القدس واللاجئين.

ترامب يقلص المساعدة المباشرة للسلطة الفلسطينية ويوقف تمويل الاونروا؛ قلبه الفظ لا يرحم ايضا مرضى السرطان الذين عولجوا حتى الآن بمساعدة الـ 25 مليون دولار التي خصصتها الولايات المتحدة للمستشفيات في شرقي القدس. ترامب يطبق فعليا المبدأ الذي وضعه افلين باركر، القائد اللاسامي للقوات البريطانية في ارض اسرائيل، النضال ضد اليهود بعد تفجير فندق الملك داود. ضرب جيوبهم واهانتهم. بتخطيط بنيامين نتنياهو وادارة سفيرنا رون ديرمر وبمساعدة سفيرهم دافيد فريدمان وبتشجيع المتبرعين الاسخياء والمؤمنين المسيحيين المحيطين بترامب، فان حلم اليمين الاسرائيلي بالعدل، يتحقق. طوبى لنا لأننا حظينا برئيس يعطي إسرائيل شيك مفتوح كي تتصرف كما تشاء، وأن المستوطنات والتنكيل بالفلسطينيين تهمه مثل قشرة الثوم، وأنه تبنى البديهية اليمينية بشأن الوقوف الصلب امام الفلسطينيين، التي هدفها تحطيم اوهامهم وتخفيض طموحاتهم، وأن تغلق في وجههم سبل الهرب واعادتهم الى ارض الواقع، باحتقار وبضربة شديدة. إلا أن التاريخ يعلم أن الاهانة القومية تؤدي بشكل عام الى نتائج معاكسة.

فهي تعزز قومية المهانين، وتصميمهم على القتال من اجل كرامتهم. وهي تترك جرح مفتوح لن يلتئم بسرعة. الصين ستحتفي بعد اسبوع رسميا بـ "يوم الاهانة الوطني" في ذكرى التنكيل الذي تعرضه له من قبل اليابان والدول الغربية العظمى في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وهي اهانة تحرك اليوم وبعد مرور مئة سنة، سياسة "ولا شبر" العدوانية لبجين في الشرق الاقصى. الهند ما زالت تحارب بروحها ضد النظام الكولونيالي البريطاني المهين، روسيا ما زالت حزينة على فقدان مكانتها كدولة عظمى، تركيا لم تستيقظ بعد من تحطم الامبراطورية العثمانية، العالم العربي ما زال يتمرغ في صدمة الاهانة وهو مشلول، الولايات المتحدة نفسها أسست نتيجة التمرد ضد سياسة الضرائب المهينة لحكام بريطانيا وهي ما زالت ترد على اهانتهم، مثل أمس، قبل 17 سنة، في هجوم على ابراج التوائم.

لا نريد الحديث عن الشعب اليهودي الذي اصبح النضال ضد اهانته على ايدي محتلين، اسطورة وطنية، من تمرد المكابيين ومرورا بيودفات ومتسادا وانتهاء بولادة الصهيونية واقامة دولة إسرائيل. يبدو أن ترامب ونتنياهو يعتقدان أن الفلسطينيين شاذين عن القاعدة، يختلفون عن الجميع وأقل منهم، وأن اهانتهم ستؤدي الى التوسل والخضوع، بحيث يكتفون بخطة سياسية تبقي على عشر طموحاتهم في أيديهم، أو أنهم سيوافقون على العيش الى الأبد كرعايا خاضعين في ظل الضم الإسرائيلي الزاحف بقوة. هم يصنعون قنبلة موقوتة بدون أن يعرفوا كيف يتم وقفها قبل انفجارها في وجوهنا جميعا.