‘‘اعترافات‘‘: صفحات متخصصة على ‘‘فيسبوك‘‘ للبوح بالمشاعر

صفحات "اعترافات" يجد فيها البعض ملاذا آمنا يمكنهم فيه التحدث عما يدور ببالهم من دون أي قيود - (أرشيفية)
صفحات "اعترافات" يجد فيها البعض ملاذا آمنا يمكنهم فيه التحدث عما يدور ببالهم من دون أي قيود - (أرشيفية)

ديما محبوبة

عمان- هناك صفحات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعي وبخاصة على "فيسبوك" تحمل عنوانا واحدا وهو "اعترافات"، يجد فيها الشغوفون بهذا العالم، فرصة للبوح بمشاعر ظلت تخالج صدورهم وأطلقوها كلمات عبر الأثير الافتراضي علهم يتحررون من ذلك العبء الذي بات يحاصر أنفسهم.اضافة اعلان
ولـ"اعترافات" صفحات متنوعة على "فيسبوك" وتحمل اسم "اعترافات سرية" أو "اعترافات اعترافات" أو "اعترافات وأسرار"، وتستقبل رسائل بوح من المشتركين، ومعظمهم يطلبون من مسؤولي الصفحات إخفاء هوية المرسل والسرية التامة.
قصص مختلفة تحمل بمجملها طعم المرارة من موقف ما مر بهؤلاء ولم يجرؤون على البوح به لأقرب الناس إليهم، أو مشكلة وقعوا فيها ويرجون الخلاص منها أو عوائق تقف بطريقهم، فوجدوا بـ"اعترافات" مساحات فضفضة حقيقية، وفرصة لسماع آراء تتعلق بموضعهم ما يخفف عليهم، أو قد يجدون حلا ما غاب عن فكرهم، أو يستهدون بخبرات ممن عايشوا التجربة ذاتها.
وعلى إحدى صفحات "اعترافات"، سردت إحدى الفتيات مشكلة مرت بها وما تزال تؤرق حياتها وتتعبها، وهي أنها تعرضت "للتحرش" أثناء ذهابها إلى الجامعة بإحدى الباصات العمومية.
وتصف هذه الفتاة شعورها حينها، وبأنها لم تستطع حتى الدفاع عن نفسها أو الصراخ، خوفا من نظرة الناس إليها والخوف من الشخص المتحرش، مؤكدة أنها اليوم لم تعد قادرة حتى بعد مرور سنوات من الذهاب للعمل بالباصات العمومية، وباتت تكره أيضا التواجد بالأماكن العامة والمكتظة.
تلك الصفحات ساعدت الكثيرين على تضميد جراحهم، والتحدث علانية عما يدور في بالهم، خصوصا أنها صفحات تحترم خصوصية زائرها، ولا تشترط وضع الاسم الحقيقي للشخص المعترف أو صورته.
فتاة أخرى روت قصتها العاطفية، وبينت أن الحب من الخطوط الحمراء التي لا يجب أن يتجاوزها أحد، لكنها اعترفت على صفحة "فيسبوك" بقصة الحب مع ابن الجيران، إلا أنها تعرضت لمضايقات مستمرة من قبل شقيقها في ذهابها للمدرسة أو الخروج من المنزل، وكانت تدفع ثمن ذلك الحب.
معترف آخر كان يشكو من الملل والرتابة التي تخيم على حياته، وأكد أن ذلك مرده هو أنه يشعر بأنه فرد مهمش في عائلته، مشيرا إلى أنه من شدة الملل يقوم بشد "غطاءات الحوافظ" في المطبخ بشكل جيد، كي تنادي أمه وأخواته عليه ويساعدهم على فتحها كي يشعر بلحظة من الإنجاز.
أحد المشتركين في تلك الصفحات ويبلغ من العمر 37 عاما، يقر بأنه حتى هذه اللحظة لا يعرف ما يريد، ويعيش حالة الملل والخوف من هذه الحياة، ويحتار كثيرا عندما يواجهه موقف صعب، ومن أهم المشكلات التي يواجهها غلاء المهور، الذي يجعل الكثيرين يطلقون عليه لقب "عازف عن الزواج" وهذا يشعره بمزيد من المرارة.
ويبدي استغرابه من الأهالي الذين يطلبون مهورا مرتفعة عند تزويج بناتهم، ولا يتنازلون عن الشقة والذهب والسيارة والعرس المكلف، وكأن العريس "مصباح سحري" يحقق أماني العائلة أجمع.
اختصاصي علم الاجتماع د. محمد جريبيع، يبين أن ما يحدث اليوم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ما هو إلا تطور لما كان يحدث على الصحيفة الورقية بمواضيعها المختلفة فكانت هناك صفحة للقراء، وأخرى للمشكلات والحلول أو تحت عنوان أريد شريكا.
وطورت وسائل التواصل الاجتماعي ذلك وباتت بهذه الجاذبية للمستخدمين، بسبب الراحة التي تعطيها للمستخدم، كتغيير الهوية أو الحديث عن الذات والتعبير عن واقعه وأفكاره من دون أي رقيب، وفق جريبيع.
وكشفت وسائل التواصل الاجتماعي، كما يقول، أن هناك خللا في بنية العلاقات الاجتماعية والثقافية والعاطفية والنفسية، وأن معظم المستخدمين لمثل هذه المواقع هم ضعفاء في الحياة الواقعية، ولا يملكون الجرأة أو الحرية في التعبير عما يخيفهم أو يحزنهم أو حتى العواطف الجميلة كالحب على سبيل المثال أو الأفكار.
ويكشف جريبيع أن مستخدمي هذه المواقع وحسب دراسات كثيرة لا يملكون حتى مهارات إدارة المشاعر، فيكونون بشخصية مختلفة تماما عن الواقع، مؤكدا أنه ونتيجة لذلك بات لصفحات "اعترافات" قبول كبير، لأن الجميع يبحث عن مكان آمن يمكنه فيه التحدث عما يدور بباله من دون أي قيود أو حسيب أو رقيب، ومنهم من لا يريد أن يحل هذه المشكلة، لذلك لم يسأل شخصا متخصصا وإنما يريد الحديث والفضفضة.
لكن اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة، له وجهة نظر مغايرة ولا ينصح أحدا بالاشتراك بالصفحات غير المتخصصة ومجهولة الهوية، لأن أصحابها من الممكن أن يستغلوا من يبعث باعترافه، فتصبح مصدرا للخوف والتأزم النفسي الحقيقي.
ويرى مطارنة أن هذه الصفحات جميعها ما هي إلا للتسلية، وبرأيه ليست لها قيمة ولا تتمتع بالسرية، مشيرا إلى أن الصفحة تقوم باستقبال الحالات الخاصة أو الشكاوى أو الفضفضة أيا كان مسماها، عبر المسؤول عنها، الذي يقوم بدوره بنشر الحالة أو الاعتراف أو الرسالة من دون صورة وطمس هوية المرسل، لكن في الحقيقة هويته معروفة للشخص المسؤول.
ويرى أن الشخص المتأزم يبحث عن الحل لمشكلته النفسية أو الاجتماعية، وليس فقط للحديث بشكل عام، فمن يجد نفسه فاقدا حبيبه أو لا يعرف التواصل مع غيره، أو كارها لعمله، تكون هذه الصفحات ملجأ لهم، وهم جميعا يعانون من أزمات وضيق حقيقي من قصة ما.