اعتصام "الأردنية" وخطيئة التعليم في الأردن

ليس مقبولاً، بأي حال من الأحوال، أن يخرج رئيس الجامعة الأردنية د. اخليف الطراونة، على المعتصمين والقول إنه شخصياً ضد قرار رفع رسوم برنامجي "الموازي" و"الدراسات العليا"، وإن ما تكبدته الجامعة من خسائر دفعه إلى هذا القرار.اضافة اعلان
مثل هذه التصريحات لا مكان لها، خصوصاً أنها تصدر من الرئيس؛ فهي اعتراف بإخفاقه شخصياً، كما كثير ممن سبقوه من رؤساء، في إدارة أموال الجامعة وإيراداتها المتأتية من المنح والتبرعات عبر صندوقها الاستثماري، والوصول به إلى نقطة الإفلاس.
كما أنها تصريحات غير مقبولة، بالنظر إلى الحق في مجانية التعليم من خلال جامعات حكومية تستثمر في المواطن استثماراً طويل الأجل، خصوصاً أنه "مواطن صالح" يدفع جميع الضرائب الباهظة التي قيدته بها الحكومة، فلماذا لا ينال، في المقابل، حق التعليم بالأسعار التفضيلية المريحة لأبنائه؟!
لكن، وبدلاً من ذلك، يواجه الطلبة الأردنيون اليوم احتمالات كبيرة بأن يتم رفع الرسوم عليهم، ما يؤهل بعضهم لترك مقعده لمن يستطيع أن يدفع أكثر، وبما يمثل إمعاناً في التكريس الطبقي للتعليم، وجعله حكراً على فئة معينة، وفي هذا مخالفة صريحة للبند الثاني من المادة السادسة للفصل الثاني من الدستور الأردني، الذي يؤكد على مبدأ تكافؤ الفرص أمام جميع الأردنيين.
ما تشهده جامعات رسمية اليوم من قرارات بزيادة الرسوم، هو نتاج عقود طويلة من التخبط الإداري، ليس في إدارات الجامعات فحسب، بل وفي إدارة العملية التعليمية برمتها.
فعلى صعيد الإدارة الجامعية، لم تنجح أغلب جامعاتنا الرسمية، حتى اليوم، في التأسيس لنهج قويم في استغلال أمثل لمصادر التمويل، ولم تسعَ إلى إدارة إنفاقها وضبط نفقاتها، لكي تستطيع أن تواصل تأدية رسالتها، وتقديم تعليم "ممكن"، وبأسعار في متناول الأردنيين.
ورغم اشتمال تلك الجامعات على أساتذة متميزين في علم الاقتصاد، إلا أنها لم تستفد من خبراتهم، ولم تعمد إلى توجيه مقدرات الجامعات ومداخيلها نحو تنويع مصادر التمويل، بما يزيد من حجم موجوداتها؛ بل ظلت رهينة للنظرة الرسمية البيروقراطية، خصوصاً في مجال الاستثمار الذي كان من الممكن أن يعفيها من "قرارات مؤلمة"، مثل التي يتحدث عنها رئيس الجامعة الأردنية اليوم.
في مقابل الفشل في الإدارة المالية للموارد، ولكي نزيد الأمر سوءاً، فإن الجامعات الرسمية لم تضبط نفقاتها، ولا أدارت تلك العملية بفعالية، بل فتحت باب التوظيف في الجهاز الإداري كحديقة خلفية للحكومة تمارس فيها إرضاءاتها وهداياها، ما أدى إلى تضخم هذا الجهاز في غالبية الجامعات الرسمية، وأدى إلى استنزاف ميزانياتها.
في المقابل، كان هناك إجهاض لمشروع التعليم التقني والمهني، لمصلحة الأكاديمي، خصوصاً بعد ازدهار قطاع التعليم الجامعي الخاص، وتأسيس عشرات الجامعات الجديدة التي تكفلت باستيعاب طلبة جدد، من ضمنهم أولئك الذين كان يفترض بهم أن يكونوا بالفرع التقني والمهني، ما أدى إلى إغلاق خمس من كليات المجتمع التقنية أبوابها خلال الأعوام الماضية، فيما هناك كليات في طريقها إلى الإغلاق، ليتم التأكيد لنا أنه ما من تعليم تقني في الأردن.
"مشروع" الإجهاض بدأ في الزمن الذي توقفت فيه الحكومات عن تحديث هذا التعليم وتطويره ورفده بالتخصصات الجديدة، والأدوات اللازمة لمواكبة متطلبات الحياة المتسارعة، ما أدى إلى بقائه شكلياً من دون أن يكون إضافة نوعية لأنواع التعليم في الأردن، وصولاً، في النهاية، إلى نفور الطلبة الأردنيين منه. ذلك النفور، سبّب ضغطاً إضافياً على التعليم الأكاديمي بفرعيه، العلمي والأدبي، وبالتالي ضغطاً على الجامعات الرسمية التي لم تستطع أن تطور في مدخلاتها، وتوسعت في القبول على حساب طاقتها الاستيعابية وجودة التعليم، لنصل اليوم إلى دق أجراس الخطر بسبب نوعية الخريجين وثقافتهم ومعارفهم.
إن احتجاجات طلبة الجامعة الأردنية، هي احتجاجات عادلة على رسوم غير عادلة، وليس ذنبهم أن من أداروا جامعتهم أخفقوا في جعلها مستقرة مالياً.