اغتيال طفل

د. سلمان العودة

ذلك المبدع والمحسن والصالح والناجح، وذلك الفاسد الكبير والمجرم المحترف والحقود الممتلئ بالكراهية، يكمن سر كل منهما في طفولته.اضافة اعلان
الاسم الذي يعتز به الطفل، قد يوظف للتملق أو السياسة. طفله الأول "فاروق"، ثم "عبدالناصر"، ثم "أنور"، ثم "حسني". ويُروى أن إحدى المواليد سميت بـ"المتصدرة!"، بسبب فوز فريق والدها.
عند السابعة، يتكون الطفل نفسيا، وتكون بنيته الأساسية قائمة وراسية.
حين نصغي إلى الأطفال سنفهم الكثير:
- عدوانية الطفل وتمرده، هما دفاع عن غريزة التملك أو إثبات وجود.
- التخريب، استكشاف وولع باللعب.
- الصراخ والبكاء، سلاح في وجه الأبوين لتحقيق المطالب.
- قضم الأظافر أو لف شعر البنت على الأصبع، أو وضع الشعر في الفم أو التلعثم، هو تعبير عن الضغط النفسي وعدم القدرة على التعبير عن القلق والمخاوف، على الذات أو على شخص يحبه.
ومن ثم، يكون البحث عن السبب بهدوء، والتعبير عن الحب والمساندة، والسعي ألا تتطور العادة العصبية لتؤثر على الحياة التعليمية والاجتماعية، فذلك أمر يبعث على القلق. فأيا كان الطفل؛ "هادئ" أو "مطيع" أو "عصبي" أو "متمرد".. هو قابل للتعلم أكثر من غيره؛ هي مرحلة تكوين، وهنا أهمية بناء العادات: التدريب على الصلاة، والوضوء، والنوم على طهارة، وقراءة القرآن، وذكر الله، واحترام الآخرين وشكرهم، والقراءة عموما، والكلام الطيب، واحترام الوالدين، والاهتمام بالدروس، وتطوير المهارات. وكذلك النظافة، والاغتسال اليومي، وتنظيف الأسنان، وترتيب السرير والغرفة، وتسريح الشعر، والنوم مبكرا، والخدمة الذاتية.
الكذب هو بسبب الخوف غالبا. والعنف هو منتج تلفزيوني اجتماعي. يمكن تجربة فكرة "أسبوع من دون تلفاز"، وجمع أهل المنزل عليها بعد الإقناع، ثم مراجعة ردة الفعل.
"سوبرمان" يطير ولا يخترقه الرصاص، ويحمل عَبَّارة، ونظره يخترق الجدران! و"الرجل الوطواط" يتنكر لإخفاء هويته ليحارب عصابات المجرمين! وهناك الرجل الآلي "غريندايزر".. أبطال صاغهم الخيال لأطفال لا يُحكمون التمييز بين الافتراض والواقع. والخيال يحمل الطفل على اختيار شخصية يتقمصها، وقد لا يرد على من ينادي عليه باسمه هروبا من الواقع.
أما الغيرة، فسلوك طبيعي؛ حين يفقد الطفل الحنان والإشباع للتقبيل والاحتضان والحب، يلجأ لجذب الوالدين عن طريق عمل أو عادة سيئة. والفصل الكامل بين الطفلين يعطي نتائج عكسية، ويصنع لدى الابن الكبير فضولًا، فيتحين الفرصة لاكتشاف هذا المخلوق الجديد، بعيدًا عن إشراف الوالدين. لندع الطفل يكتشف أخاه الأصغر؛ يمسك بيده، يحمله تحت إشرافنا، يساعد في إحضار أغراضه، ولا يتعرض لعقاب إذا اعتدى عليه، فالعقاب يزيد من كراهيته له. يكفي التوجيه.
الدلال الزائد كالقسوة، يجعله غير قادر على بناء علاقات اجتماعية ناجحة، أو تحمل المسؤولية ومواجهة الحياة والأحداث. والتعاطف والحنان والرحمة ضرورة، لكنها تتحول حينا إلى سبب في تدمير الأبناء.
أهم من المال القدوة الحسنة والتربية والوقت الذي نمنحه لأطفالنا. أعطى الأب ابنته ألف ريال هدية نجاح، فردتها إليه وقالت: خذ هذه الألف وأعطني ساعة من وقتك.
عدم الثبات في المعاملة يجعل الطفل في متاهة، هو يحتاج أن يعرف ماذا نتوقع منه. فيجب أن نضع الأنظمة الواضحة البسيطة ونشرحها ونناقشها. وعندما يقتنع، سيصبح من السهل عليه اتباعها. ويجب مراجعة هذه الأنظمة ومناقشتها بين فترة وأخرى. ليس مقبولا أن نطبق عليه القانون يوما ونتجاهله يوما آخر، فنصنع الإرباك.
قد تكون الأم ثابتةً في جميع الأوقات، ويكون الأب عكس ذلك، فيصبح الطفل تحت ضغط نفسي شديد يدفعه لارتكاب الخطأ. والعدل بين الأولاد واجب: "وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ"؛ الذكور والإناث.
كذلك، فإن تفضيل طفل لذكائه أو جماله أو تفوقه، أو لأنه ذكر، يصنع لدى الأطفال الآخرين الغيرة، فيعبرون عنها بالسلوك العدواني بهدف الانتقام من الكبار.
نفرح حين يتحدث الأطفال، ونصفق للألفاظ البذيئة أول ما يتفوهون بها! كان طفلي بارعًا في تحويل كلمات يحفظها من مشاهداته إلى شتائم، بعضها مما لا يقال! لم يكن جديراً بي أن أضحك.. وأقول له: عيب! وعلينا البحث عن مصدر هذه الألفاظ في قاموسهم، فهم لم يخترعوها، بل جاءت نتيجة محاكاة الأسرة أو الجيران أو الأقران أو الحضانة، ويجب عزلهم عن مصدر هذه الألفاظ. يجب إظهار الرفض لهذا السلوك بشكل علني، مع التحلي بالصبر والهدوء والتدرج.
ويمكن مكافأة الطفل بالمدح والتشجيع على التعبير بطريقة سوية. وإذا لم يستجب، يعاقب بالحرمان من شيء ما؛ كالنزهة أو الذهاب للبقالة.
"الأطفال من الجنة" حقيقة إسلامية، وهي عنوان كتاب جميل لـ"جون غراي"، يؤكد على التربية بالحب والتعاون ومعرفة الدوافع والإقناع، مقابل التربية بالإهانة والتحقير والعنف.



*داعية سعودي، والمشرف العام على موقع "الإسلام اليوم"