علاء الدين أبو زينة
وحسب وكالات الأنباء، اجتاحت قوات كبيرة من جنود العدو المنطقة في ساعات الليل المتأخرة، وأجبرت عشرات العائلات في محيط منزل الشهيد على الخروج إلى العراء والليل والبرد القارس، بذريعة الحرص على سلامتهم. والمبنى الذي استهدفه النسف تقطنه ست عائلات لإخوة الشهيد. وأثناء الهدم، ابتهج المستوطنون في مستوطنة «كريات أربع» المجاورة واحتفلوا بإطلاق الألعاب النارية. وهذه ليست أول عملية هدم – ليس بسبب مزاعم الكيان عن التنظيم وأذونات البناء، وإنما كعقاب جماعي لأقارب الشهداء والمقاومين الفلسطينيين.
ليست هناك حكومة معروفة في العالم تعاقب عائلات وأقارب الذين تعتبرهم مخالفين، ليشمل العقاب أقارب الدم من الشيوخ واالنساء والأطفال. وفي حالة الكيان الوحشي، كثيراً ما يتم اعتقال أفراد من عوائل الشهداء، بمن فيهم أمهاتهم في بعض الحالات. وتظهر مصادقة محكمة الكيان على قرار الهدم أن المسألة ليست نزوة قائد ميداني، وإنما قانون «دولة»، منسجم مع سياستها الخارجة على كل منطق إنساني أو قانوني، والمعلنة على رؤوس الأشهاد.
من المعروف أن الكيان الصهيوني في فلسطين مشروع استعماري استيطاني قائم على التطهير العرقي – أو كما يحب منكرو الحقائق اعتباره، «كيان احتلال» في الضفة الغربية وغزة بموجب القانون الدولي المنافق، أو «نظام أبارتيد» كما تصفه المنظمات الدولية الوازنة. وكل واحدة من هذه الصفات كفيلة، في أي منطق يحترم القوانين والحكم السليم، بإخضاع الكيان للعزل والعقوبات، وتفعيل الآليات الدولية التي يُفترض أن تنهي الاحتلالات وأنظمة الفصل العنصري – حتى بالقوة، كما فعلوا مع احتلال العراق للكويت. لكن الكيان يتمتع باستثناء ورخصة بالقفز عن كل عرف وقانون ومبدأ إنساني، تضمنه الجهات التي تمارس نفس التجاوزات وادعاء الاستثنائية.
ليس من الغريب أن تتواطأ الكيانات الدولية المتورطة في الوحشية بدعم الكيان الصهيوني الذي فرخته والاعتراف به وتوظيفه. لكن ما لا يمكن أن يُفهم في منطقتنا، هو كيف يمكن أن يقبل أحد بأي تعامل – ناهيك عن الصداقة والتعاون- مع كيان إجرامي ومعادٍ بطبيعته وممارسته وخطابه لكل شيء عربي. وحتى لو تحدث أفراد من الكيان عن تعايش أو سلام (شرطهما شرعنة استعمار أكثر من ثلاثة أرباع فلسطين واغتصاب وطن ثلاثة أرباع الفلسطينيين)، فإن هؤلاء ليسوا في موقع الحكم والقرار. إن الذين يحكمون ويقررون ويُطالب بتطبيعهم والتعامل معهم هم الفئة الأكثر تطرفاً وعنفًا وحقداً وإجراماً، حتى في نظر المعارضين الكثر في الكيان نفسه وأنصاره في العالم. فبماذا يمكن وصف التعامل مع كيان هذه واجهته والأغلبية التي تنتخب حكامه؟
لو شاهد أحد سائق سيارة يوجه مركبته ليدهس قطًا عمدًا واستمتاعاً لاشمأز منه ونفر من وحشيته وأنف من التعامل معه. ومع ذلك، لا يشمئزون ويأنفون من التعامل من قتل الجنود الفتيان والفتيات الفلسطينيين العزل عمدًا وقصداً، واحتفال المستوطنين بعذابات الفلسطينيين وكأنهم أدنى مرتبة من قطة. وفي أي تحليل، من الصعب عدم ملاحظة علاقة الاقتران الأخلاقي الذي تنطوي عليه المصادقة الضمنية على تصرفات الكيان الصهيوني الهمجية بالاعتراف به وتطبيعه. وفي الحياة – مع أن السياسات تُعرض كأنها ليست من الحياة- لن يتشرف أحد بعلاقة وجية مع جار بلطجي اغتصب البيت من أصحابه، وعمله اليومي هو القتل والإذلال والإخضاع والتنكيل، وإذا صادقه فسوف يُحسب عليه ومنه.
سوف يتساءل أحد، محقًا: ما الفرق بين الكيان و»داعش»؟ كلاهما كيان استولى على أرض بالقوة، صاحب أيديولوجية متطرفة، أساليبه عنيفة ضد كل من «ليس من دينه»، حتى صاحب المذهب المختلف أو الممارسة المختلفة من نفس الدين، له أهداف توسعية وكاره لكل من عداه. و»داعش» من المنطقة وطرح نفسه كبديل بين بدائل من داخلها واستحقت وحشيته الرفص، بينما الكيان غريب كله عن المنطقة وصاحب أكثر من ثلاثة أرباع قرن من الوحشية، لو استمرت «دولة داعش» العنيفة والوحشية في المنطقة، هل كان أي مبرر براغماتي أو غيره ليبرر تطبيعها وإقامة أي علاقات غير العداء معها؟
سوف تقول أي اعتبارات براغماتية، قانونية أو أخلاقية، إن تقديم أي مساعدة معنوية للكيان الصهيوني هي كراهية للذات على أقل تقدير. إن الطريقة الوحيدة الملائمة للتعامل مع قاتل وسارق وعدواني بطبيعته وممارسته هي عزله، وإعلان معاداته، ومقاطعته ومعاقبته. ولا ينبغي أن يكون الشرط المسبق لإلحاق المهيمنين العالميين لنا في خانة الأتباع هو الانضمام إلى العصابة غير الأخلاقية والتواطؤ مع جرائمها. لا يمكن أن يكون هذا هو الطريق.
المقال السابق للكاتب