اكتب غزلاً في الكمثرى!

سأكتب عن الطريقة الصحيحة لتقليم الباميا، وعن الطرق السليمة لتجميد الفول الأخضر، وبالتفصيل سأشرح كيف يمكن تأخير انتشار السواد على قشر الموز. إن شعرتُ أني أكرّر نفسي، سأكتبُ عن العيوب الخَلقية في فستان نيكول كيدمان، وأرصد نمشاً مريباً على كتف ليندسي لوهان. وبكثير من كيد الرجال، سأبرز مثالب لم ترصدها الكاميرات في وسامة توم كروز. سأهرف بما لا أعرف، حين لا أستطيع أن أكتب ما أعرف.اضافة اعلان
سأكتبُ ما لا يزعج الشواخص التحذيرية، وما لا يتصادم مع المطبّات الهوائية، وما يبتعد كثيراً عن الخط الأبيض في الدائرة الحمراء. سأكتبُ بحذر فقيه، وحسابات اقتصادي، وبراغماتية سياسي، مع مراعاة الظروف الراهنة في مكانها منذ سبعين عاماً، متجنباً ما قد يزيد من توتر المرحلة العصيبة، وما قد يُسيل عرَق الأوضاع الحرجة، ويربك التفاصيل الدقيقة. سأكتبُ خالياً من الخبث.. عن ألم أسفل البطن جهة اليمين.
أنا عبد فقير إلى الله، لا قدرة لي على إغضاب وزير، أو إثارة حفيظة سفير، وأخشى من تجهّم غفير. ثمّ ماذا سأستفيد لو أغضبتُ وزارة أو سفارة أو كشكاً أمنياً. لا شيء سوى البطولة التي تحتاج إلى بنية جسدية، وظهر صلب، وبطر مادي، وجواز سفر كندي، وهي أشياء لا أملك منها إلاّ دعاء أمّي، وهو بالكاد يخرجني سالماً إن جادلتُ محصّل الكهرباء.
لن أُسقط بالتورية غباراً عن حجر، ولن يكفي المجاز لرتق المسافة بين الحقيقة وشِبْهها، وبالكناية لن يفهم المقصود أني أقصده، وبالاستعارة سأجمع الماء في فمي. إن لم تكن اللغة واضحة، فاضحة، فالكتابة على رمل الشاطئ أجدى، وإن لم تكن اللغة جادة، حادة، فالكتابة بالطبشور المدرسيّ أبقى. لا تعوّل على حصانة الشاعر، ومكانته التاريخية، ولا على غرور الروائي بامتلاك المصائر، أو مزاج المخرج المسرحي بإنزال الستارة، واكتفِ بدورك اللغويّ: ألف التفريق.
حين لا تستطيع أن تسمّي الديكتاتور بنياشينه ومجازره، اكتب غزلاً صريحاً في الكمثرى. إن عجزتَ عن رسم السبّابة الحانقة وهي تشير إلى القاتل، ارسم أرنباً رمادياً. حين تُمنع من إذاعة الاسم الثلاثي للخائن، انتقل إلى فاصل إعلاني عن مثبّت الشَّعر. إن منعوكَ من الغناء عن الظلام، غنِّ للقدّ الميّاس. إن أجبروكَ على إخراج اسم العدوّ من بين القوسين، أوقف سيارتكَ وامسح دمعكْ.