"اكتظاظ المدارس": تفاوت من منطقة لأخرى وآثار سلبية فاقمها نظام الفترتين

هديل فايز الطوالبة عمان - تؤمن سجى، طالبة الأول الثانوي، أن هناك اختلاف بالمستويات بين الطالبات، فهناك من يفهمن المعلومة من أول مرة، وهناك من هن بحاجة إلى إعادة المعلومة لفهمها، لكن هذا الأمر "بيأثر علينا وبروح من وقت الحصة على موضوع واحد من الدرس" تقول سجى. درست سجى منذ أن كانت في الصف الأول الأساسي بنظام الفترتين في مدرسة حكومية تابعة لمديرية لواء القويسمة، وجربت الفترتين الصباحية والمسائية، و"خايفة في التوجيهي انه يكون أصعب من هيك لانه ما في وقت نرجع نحضر دروسنا والترويحة متأخرة يعني الساعة خمسة منكون في البيت". في نفس المدرسة، تشتكي يارا، طالبة في الصف السابع، من أن نظام عمل المدارس بالفترتين يمنعها من تحضير دروسها بشكل مناسب، واكتظاظ صفها الذي يتضمن 47 طالبة، عدا عن عدم توفر وقت مخصص لها لممارسة الأنشطة في حياتها، والخروج من المنزل بعد دوامها من المدرسة بسبب انتهاء الدوام متأخرا لالتحاقها بدوام الفترة المسائية. توضح مديرة مدرسة الحسنية الثانوية الأولى للبنات في لواء القويسمة فدوى الشلبي أنه بسبب النسبة السكانية المرتفعة وقلة عدد المدارس في لواء القويسمة بمنطقة المقابلين لجأت المدرسة للعمل بنظام الفترتين بغية التخفيف من اكتظاظ الطلبة داخل الغرف الصفية إلا أن العمل بهذا النظام يعد "مأساة"، فيبلغ عدد الطلبة داخل الغرفة الصفية الواحدة في هذه المدرسة حوالي الخمسين والستين طالبة، مما يؤدي إلى عدم أخذ الطالبات حقهن في المشاركة والتفاعل أثناء الحصة، رغم أنه يفترض أن تكون الغرفة الصفية النموذجية تتضمن 35 طالب لكننا تجاوزنا هذا العدد. تتعجب المعلمة أسماء (اسم مستعار) والتي كانت تُدرس في إحدى مدارس لواء الجيزة قبل نقلها إلى مدرسة في مديرية لواء القويسمة قبل ثلاث سنوات، بأعداد الطلبة الكبير في الأخيرة، قائلة: "أعداد الطلبة في لواء الجيزة قليل جدا بحيث كان لدي في الفصل الدراسي ثلاثة إلى أربعة طلاب، بينما بعد التحاقي للعمل في المدرسة التابعة لمديرية لواء القويسمة أذهلني عدد الطلبة، فلدي في الفصل الدراسي ما بين 40 إلى 45 طالبة، وهذا العدد يعيق إعطائي للحصة الصفية، لا سيما أننا نلاحظ أن أعداد الطلبة في تزايد مستمر من سنة لأخرى، خاصة أعداد الطلبة الأردنيين كبير بينما غير الأردنيين يتواجد في الفصل عندي طالبتين أو ثلاثة طالبات فقط من السوريين." بمقارنة بسيطة، فإنه في نفس المساحة التي يجلس فيها طالب واحد في مديرية الشوبك (ما معدله 13 طالبا في الفصل) يجلس ثلاثة طلاب (ما معدله 39 طالبا في الفصل) في مديرية لواء القويسمة، بحسب التقرير السنوي لوزارة التربية والتعليم لعام 2017/2018. وكانت المدارس الأردنية بدأت باستقبال اللاجئين السوريين عام 2012/2013. وبالرغم من ارتفاع عدد الطلبة في المدارس بنسبة 17 بالمئة، أي بما يقارب 200 ألف طالب، إلا أن معدل الطلبة في الفصول المدرسية على مستوى المدرسة تغير، بمعدل طالب واحد فقط، من 26 طالبا في 2012/2013 إلى 27 طالبا في 2017/2018. يعزى هذا إلى ارتفاع عدد المدارس العاملة بنظام الفترتين والتي امتصت الطلاب السوريين بحسب خطة الوزارة الاستراتيجية. القويسمة: نظام الفترتين والاكتظاظ ليس وليد اللجوء السوري تظهر بيانات التقرير السنوي لوزارة التربية والتعليم أنه لطالما كانت فصول مدارس مديرية القويسمة الأكثر اكتظاظا على مستوى مديريات المملكة. مُنذ 2012، ارتفع معدل الطلبة من 35 إلى 39 طالبا لكل شعبة واستمر وجود مدرسة بنظام الفترتين من بين كل مدرستين في المديرية. تحاول معدة التقرير البحث في الأسباب التنظيمية التي أبقت من أعداد الطلبة في أكثر المديريات اكتظاظا عبر السنوات الأخيرة بالرغم من زيادة أعداد المدارس في المملكة واحتواء ضغط اللجوء السوري من خلال نظام الفترتين. متى يكون الفصل الدراسي مكتظا؟ حسب المقياس العالمي، تكون المدارس مكتظة إذا قلت المساحة الطالب المخصصة لكل طالب بالغرفة الصفية عن متر وأربعين سنتيمتر، بحسب عبدالله حسونة مدير السياسات والتخطيط الاستراتيجي في وزارة التربية والتعليم. أما في الأردن، تعتبر وزارة التربية الغرفة الصفية مكتظة إن كانت محيط المساحة المخصصة للطالب بها تقل عن متر وعشرين سنتيمترا، ومع ذلك، هنالك مديريات مثل إربد والقويسمة تكون محيط المساحة المخصصة للطالب أقل من ستين أو سبعين سنتيمتر. وبالرغم من أن وزارة التربية وضعت الرقم 40 كسقف أعلى لعدد الطلاب في الفصل الدراسي المكتظ، إلا أن بعض المدارس في مديريات مثل القويسمة وإربد يتجاوز عدد صفوفها هذا الرقم. مديرية القويسمة هي أحد المديريات التي تُظهر عدم تغير كبير على معدل الاكتظاظ بها في آخر خمس سنوات. لم يتغير معدل الطلبة في الفصل الواحد في مدارس المديريات التي يجلس بها أكثر من ثلاثين طالبا في الفصل الواحد مثل القويسمة والزرقاء الأولى وقصبة إربد. وأيضا لم يتغير بشكل مفصلي عدد الطلاب في مدارس المديريات الأقل اكتظاظا، مثل الرمثا والشوبك والجيزة، والتي يجلس بها أقل من 20 طالبا في الفصل الواحد في ذات الأعوام. بالنسبة لنائب نقيب المعلمين، الدكتور ناصر نواصرة، حتى تتوفر الظروف النموذجية للتدريس وجب أن يتراوح العدد النموذجي للطلاب في الفصل الدراسي الواحد ما بين 20 و25 طالبا. وبالمقارنة بعام 2012، زاد عدد المدارس من 2662 إلى 3092 مدرسة، أي بنسبة 13 بالمئة، إلا أن ذلك لم يؤثر على التوزيع غير المتوازن للطلبة على المدارس المملوكة من قبل وزارة التربية والتعليم. ففي عام 2017/2018، كانت المدارس التي يزيد معدل الطلبة في شعبها عن 28 طالبا في الشعبة، تُشكل ثُلث المدارس المملوكة من وزارة التربية وتستقبل نصف عدد الطلاب في المملكة. أما المدارس التي يقل معدل الطلبة في شُعبها عن 23 طالبا للشعبة، فتشكل 40 بالمئة من المدارس المملوكة للوزارة وتستقبل أقل من ربع الطلبة. يشير النواصرة إلى اللجوء السوري ليس جوهريا في تفسير ازدحام الطلبة وخاصة في المراكز السكانية الكثيفة كون الوزارة استحدثت نظام الفترتين لاحتواء اللجوء. وهو ما تظهره بيانات مديرية القويسمة التي لم يتغير نسبة المدارس ذات الفترتين فيها، والتي وصلت إلى نصف المدارس بالمديرية منذ خمسة أعوام أي قبل اللجوء السوري. وحول هذا يُؤكد مدير مديرية التربية والتعليم للواء القويسمة، الدكتور شاكر العلاوين، أن أسباب هذا الاكتظاظ في مدارس مديرية لواء القويسمة يعود إلى الازدياد السكاني الواسع في منطقة القويسمة باعتبارها منطقة صناعية، وكذلك، بسبب الهجرة من المدارس الخاصة إلى الحكومية نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، فقد التحق أربعة الآف طالب من المدارس الخاصة والوكالة، للحكومة بمختلف الصفوف الدراسية. عدا عن التحاق الطلبة اللاجئين لمدارس المديرية، كلها أسباب أدت إلى عبء واكتظاظ المدارس الحكومية في لواء القويسمة. ويشير العلاوين إلى حاجة اللواء إلى استحداث مدارس، ليست بالضرورة أن تكون مبان جديدة، وإنما على الأقل غرف صفية لحل مشكلة الاكتظاظ، وتقليص المدارس التي تعمل بنظام الفترتين والتي تؤثر على سير العملية التعليمية لدى الطلبة، وكذلك على عطاء المعلم خلال دوام الفترتين. لماذا لا تزيد أعداد "مدارس التربية" في المديريات المكتظة؟ منذ عام 2012، زاد عدد المدارس في المملكة 290 مدرسة ليصل إلى 3835 في عام 2017. كانت أكثر المديريات التي شهدت زيادة في المدارس المملوكة هي مديريات البادية الشمالية الغربية، والبادية الشمالية الشرقية ومديرية المفرق والتي بطبيعة الحال شهدت أكبر ارتفاع بنسبة الطلاب غير الأردنيين بسبب اللجوء السوري. لكن الغرابة أن في أكثر المديريات اكتظاظا قبل اللجوء السوري، مثل القويسمة لم يزدد عدد مدارس إلا ستة مدارس بين عامي 2012/2013 و2017/2018 ليرتفع من 80 إلى 86. أما في المديريات التي طالما كانت صفوفها أكثر رحابة ولا تتجاوز الـ13 طالبا مثل الرمثا، فقد ازداد عدد المدارس المملوكة للتربية بها من 45 إلى 53 مدرسة. ويعزي وزير التربية السابق عزمي محافظة سبب هذا الارتفاع في بناء المدارس المملوكة في المناطق الأقل ازدحاما إلى مشروع دمج المدارس الذي تولته وزارة التربية والتعليم قبل سنتين، لكن تم إيقاف المشروع نتيجة الضغط المجتمعي من قبل أولياء الأمور والتدخلات من قبل مجلس النواب، وبُعد المدرسة عن المنطقة التي يسكن فيها الطلبة بالتالي وقف الدمج، مثلا المدارس في البادية الغربية الجنوبية كان فيها أربع مدارس مستأجرة، وتم بناء مدرسة حكومية جديدة تتسع لجميع الطلبة إلا أن الأهالي والطلبة رفضوا الدراسة فيها بسبب المسافة. تقول الدكتورة نجوى قبيلات الأمين العام لوزارة التربية والتعليم للشؤون الإدارية والمالية أن المدارس التي تعاني من اكتظاظ الطلبة تعد أولوية في الإنشاءات المدرسية والإضافات الصفية لدى وزارة التربية والتعليم. لكن المشكلة التي تواجه الوزارة هي اضطرارها بناء المدارس على مسافة أبعد 3 كم بسبب ما تشهده هذه المناطق من حركة عمرانية نشطة، وهو ما يرفضه أولياء أمور الطلبة لبُعد المسافة، بالتالي تصبح في هذه المناطق ضغط على مدرسة واحدة، وتتزايد الأعداد في الغرفة الصفية ما يتسبب في الاكتظاظ، لعدم توفر أراض قريبة لتستملكها الوزارة. انخفضت نسبة المدارس المُستأجرة ثمانون مدرسة لتشكل عشرين بالمئة من مجموع المدارس للسنوات الدراسية 2013/2012 و2018/2017. لكن وزارة التربية والتعليم لجأت إلى استئجار مباني مدرسية بسبب نقص في الأراضي المملوكة من قبل الدولة ليتمكن الطلبة من التعليم خاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، رغم أن هذه المباني لا تفي بالمعايير المعتمدة بمستوى المدارس المملوكة للدولة بحسب ما ورد في الخطة الاستراتيجية لوزارة التربية والتعليم 2018 - 2022. ويلاحظ  أيضا بحسب التقارير السنوية زيادة في عدد المدارس المستأجرة في بعض المناطق النائية مثل مديريات الموقر والشوبك في آخر خمسة سنوات. وورد في الاستراتيجية الوطنية لتطوير الموارد البشرية (2018-2025) أن القطاع التعليمي يعاني من تدني جودة البنية التحتية وضعف نتائج الطالب، وخاصة في المدارس ذات المباني المستأجرة. وحول ما وصلت إليه الخطة الاستراتيجية الوطنية لعام  2018 -2022 أشار حسونة إلى أن الوزارة وصلت في السنة الثانية من السير بالخطة إلا أنها تنفذ ببطء، وأصعب ما فيها هو مكون الوصول والمساواة لأن البنية التحتية مكلفة، وعلى الوزارة أن تنشئ 60 مدرسة كل عام، بالإضافة إلى أن المخصصات المالية غير متوفرة والمدارس تكلف ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين لكل مدرسة، فبالتالي حجم الاحتياجات مع التجهيزات ذات حجم كبير، وعلى الوزارة بناء  600 مدرسة في عشر سنوات بشرط أن تكون المدرسة تتسع لألف طالب. ويشير حسونة إلى أنه باشرت ببناء 43 مدرسة، وفعليا استلمت الوزارة  18 مدرسة عام 2019، وكذلك تم استلام  600 غرفة صفية بحيث تعالج الغرف مشكلة الاكتظاظ. ويضيف "من الممكن القول أن مؤشر المدارس المستأجرة ينخفض 1% في كل عام، وهذه النسبة تعتبر إنجازا في تنفيذ ما جاء في الخطة الوطنية، لكن ما نواجهه هو أن النمو في البناء لا يوازي النمو في الطلبة، وحل هذه المشكلة هو بناء عدد كبير من المدارس". الطلبة السوريون.. الحلول السريعة تسبب اكتظاظ الصفوف ويفنذ تحليل البيانات، وما كشف عنه من نتائج، ما تورده تقارير محلية تشير إلى أن اكتظاظ الطلبة السوريين وارتفاع الأعداد الملتحقة منهم بالمدراس الحكومية سبب رئيسي في تراجع العملية التعليمية، فيما يقول مواطنون وتربيون إن وزارة التربية والتعليم تلجأ إلى الحلول السريعة لمعالجة اكتظاظ الغرف الصفية باستئجار مباني قديمة وضيقة. كما أن تحليل البيانات يخالف ما يشير إليه تقرير آخر  نشر في صحيفة الغد يعتبر أن اللجوء السوري ساهم بشكل كبير في تأزم القطاع التعليمي، وتراجع جودته بحيث أدى إلى عدم المقدرة على إقامة وإنشاء أبنية مدرسية أو إضافات وصيانة، وتحويل المدارس لنظام الفترتين. وفي تقرير نشرته وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، يؤكد من خلاله تربويون إلى تراجع جودة التعليم في المدارس الحكومية بسبب اللجوء السوري، كما شهدت الغرف الصفية اكتظاظ الطلبة، واختصار الوقت المخصص للحصة الصفية المقررة للطلبة، وزيادة المدارس للعمل بنظام الفترتين. بينما تقرير قناة المملكة يُبين حالة تردي المدارس في محافظة الزرقاء، وافتقارها للصيانة الدورية، وازدياد عدد المدارس المستأجرة التي تعمل بنظام الفترتين، واكتظاظ الغرف الصفية بسبب ارتفاع أعداد الطلبة نتيجة استضافة الطلبة السوريين. وبهذا فإن التقارير تصب في أن أعداد اللاجئين الكبيرة كانوا يشكلون عبئا على القطاع التعليمي، بالتالي زيادة أعداد الطلبة غير الأردنيين في المدارس الحكومية في بعض مديريات التربية والتعليم، وهذا ما أدى إلى الذهاب للعمل بنظام الفترتين لاستيعاب عدد الطلبة الأردنيين وغير الأردنيين، واستئجار مبانٍ لاستخدامها كمدارس لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلبة. كما عزا بعض أولياء أمور الطلبة وتربويون سبب تفاقم هذه المشكلة لازدحام المدارس بأعداد اللاجئين القادمين من المناطق ذات النزاع، مما سبب مزيدا من الضغوط على قطاع التعليم، والضغط على البنية التحتية والبيئة الصفية، وبالتالي تراجع في جودة التعليم. ورغم أن الإشارة إلى أثر اللجوء على قطاع التعليم أمر لا يمكن إنكاره على المطلق، إلا أن تحليل إحصائيات السنوات الدراسية 2013/2012 و2017/ 2018 يكشف أن أزمة التعليم في المدارس الحكومية لا يمكن ربطها بموضوع اللاجئين بشكل كلي، فقدوم اللاجئين قد أحدث تأثيرا على قطاع التعليم ولكنه لم يكن بالتأثير الكبير على هذا القطاع، وإنما استنفاذ المدارس الحكومية يعود إلى تخبط في القرارات وبطء في تنفيذها لضعف الإمكانات المادية والخدمات اللوجستية.اضافة اعلان