الأبناء المفقودون في الحرب على "داعش"

مقاتلون من ميليشيات الحشد الشعبي أمام جدار يحمل شعار "داعش" عند مدخل مدينة القائم في الأنبار  – (أرشيفية)
مقاتلون من ميليشيات الحشد الشعبي أمام جدار يحمل شعار "داعش" عند مدخل مدينة القائم في الأنبار – (أرشيفية)

بلقيس ويلي – (نيوزويك) 27/9/2018

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

في كانون الثاني (يناير) 2017، في مقهى في أربيل، التقيت بامرأة اسمها نهلة، ناجية من سرطان الثدي، وكانت عالقة في العيش تحت حكم "داعش" خلال الكثير من الوقت الذي سيطر فيه التنظيم الإرهابي على الموصل، ثاني كبريات المدن العراقية. وكان زوجها قد مات قبل ذلك بسنوات نتيجة المرض، وكان ابنها مفقودا منذ أيار (مايو) 2015. وقد أتت إلى عاصمة كردستان العراقية لمحاولة معرفة مكانه، مصطحبة حقائب مليئة بالوثائق، وطاقة لا تحدها حدود.اضافة اعلان
كان ابنها، عدنان، 25 عاماً، قد فر من الموصل عندما استولى عليها "داعش" في تموز (يوليو) 2014، والتحق بجامعة بغداد لاستكمال دراسته في الرياضة. وفي 9 أيار (مايو) 2015، بينما كان صحة والدته تتدهور نتيجة الافتقار إلى العلاج المناسب للسرطان تحت حكم "داعش"، قرر العودة إلى المدينة لزيارتها. وفي ذلك الوقت، كان "داعش" يسمح لبعض الناس بدخول المناطق التي تخضع لسيطرته ومغادرتها. وقد تحدَّثت إليه بالهاتف آخر مرة عندما كان يصل إلى نقطة تفتيش في منطقة تسيطر عليها مليشيات مسلحة تدعى "قوات الحشد الشعبي". وبعد ذلك، انقطع الاتصال به.
كنا قد فحصنا في الفترة الأخيرة عن كثب 78 قضية بين قضايا لعدة مئات من الرجال والأولاد الذين احتُجزوا واختفوا قسريا على يد الجيش العراقي والقوات الأمنية العراقية منذ العام 2014. وكان معظم الذين وثقنا حالاتهم قد اختفوا على يد قوات الحشد الشعبي، التي أصبحت بعد ذلك تحت سيطرة رئيس الوزراء حيدر العبادي. وهذا مهم بشكل خاص لأن نتائج انتخابات أيار (مايو) ربما تعني أن الأحزاب المتحالفة مع قوات الحشد الشعبي سوف تلعب دوراً أكثر بروزاً في العراق على المستوى السياسي والعسكري والأمني.
في تموز (يوليو) 2015، شقت نهلة طريقها من الموصل إلى بغداد، حيث سجلت ابنها في عداد المفقودين في المحكمة الجنائية المركزية في بغداد، والمجلس القضائي الأعلى، والسجن في مطار بغداد الدولي، ووزارات الداخلية والدفاع والعدل. ثم صعَّدت من خطواتها وسجلت قضيته في كل مراكز الشرطة ونقاط التفتيش على الطريق التي سلكها، وفي قيادة بابل العسكرية، وكل المحاكم المحلية في محافظتي بابل وكربلاء، اللتين كان يفترض أن يمر منهما. وأطلعتني على العديد من الوثائق التي تلقتها من هذه المكاتب، التي اعترفت بقضية ابنها وطالبت المكاتب الحكومية الأخرى بتحديد مكانه، وإنما بلا أي نتيجة.
ثم، في 22 تشرين الأول (أكتوبر) 2016، رأت نهلة عدنان على شاشة التلفاز، حيث وُصف بأنه مقاتل من "داعش" في الإشارة الأولى لفيلم شبه وثائقي عن الحرب ضد "داعش" في العراق. وقد عُرض البرنامج على محطة "الميادين"، وهي منفذ إعلامي متعاطف غالباً مع "كتائب حزب الله"، وهي جزء من قوات الحشد. وفي الوثائقي، ذكر عدنان أنه عضو في "داعش" وأن المجموعة تتلقى الدعم من القوات الأميركية، وهي نظرية مؤامرة شائعة في المنطقة. ثم شهد بعد ذلك على المشاركة في أحداث في العام 2016 في الموصل، بعد وقت طويل من اختفائه. وفي 26 تشرين الأول (أكتوبر)، ظهر عدنان في الجزء الرابع من الفيلم الوثائقي، وتحدث عن أنظمة القيادة والشرطة في "داعش"، مع أنه لم يعش في مناطق "داعش" لوقت طويل. وفي نهاية كل جزء، تشكر "الميادين" كتائب حزب الله على تزويدها بالمقابلات المصورة.
أخبرتني نهلة بأنها لاحظت الستائر المميزة التي تظهر خلف ابنها في الفيلم الوثائقي، والتي بدت مطابقة للستائر التي تظهر في صور مقر كتائب حزب الله المنشورة على صفحتها في "فيسبوك". وقادت الصور نهلة إلى الاعتقاد بأن كتائب حزب الله هي التي تحتجز ابنها. ولذلك ذهبت إلى مكاتب محطة الميادين في بغداد، وتوسلت إليهم المساعدة في تحديد مكان ابنها. ورفضوا. ثم ذهبت إلى لجنة الأمن والدفاع في البرلمان ليكتب إلى كتائب حزب الله ويستفسر عن ابنها –وقالوا لها أنهم أرسلوا رسالة في كانون الأول (ديسمبر) 2016، وإنما لم يبلغوها بحلول أيار (مايو) 2018 عن استلام أي رد.
ثم شرعت نهلة بعد ذلك في البحث عن أي خيارات دولية مفتوحة أمامها، فسجلت شكوى لدى "لجنة الاختفاء القسري" التابعة لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وأمرت اللجنة الحكومة العراقية بتقديم معلومات عن مكان عدنان. لكنها لم تسمع شيئاً منها أيضاً.
مع كل هذه الجهود المضنية، لم تعثر نهلة على ابنها. وبالنسبة للعائلات التي تعاني من نفس مشكلتها، فإن فكرة استمرار أولئك المسؤولين عن اختفاء أقاربهم في السير بحرية هي فكرة مرعبة. وإذا كان للعراق أن يمضي قدُماً، فسوف تحتاج الحكومة الجديدة إلى اتخاذ خطوات فورية لتقديم إجابات إليهم عن أماكن أقاربهم وما إذا كانوا ما يزالون أحياء. ويجب على الحكومة إظهار أنها تعمل بجدية من أجل وضع حد لهذه الاختفاءات القسرية، والتأكد من أن المجموعات التي أخذت عدنان والآخرين ولم تكشف عما حدث لهم سوف تنال العقاب.

*باحثة عراقية بارزة في منظمة "هيومان رايتس ووتش".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Missing Sons of the War on ISIS