الأثر بعيد المدى للاجئين السوريين

بغض النظر عن الموقف الشعبي والرسمي من موضوع اللاجئين السوريين، تُجمع دراسات عديدة، صدرت مؤخراً عن مراكز بحث عالمية، على أن استمرار المقاربة الرسمية الحالية؛ من تركيز الجهود على الإغاثة وحدها، ينذر بنتائج سلبية على اللاجئين أنفسهم، كما على الدول المضيفة لهم، ومن بينها الأردن.اضافة اعلان
لا شك في أن الموقف الرسمي الأردني، كما الجهود الجبارة التي قامت بها الحكومات المتعاقبة منذ قيام الثورة السورية، يستوجبان التقدير. ففي حين كانت العديد من الدول في المجتمع الدولي تتباكى على محنة اللاجئين من دون أن تقبل استيعاب الحد الأدنى منهم، أو أن تضاعف الجهود لإيجاد حل سياسي ينقذ سورية البلد والشعب، بذل الأردن أكثر من طاقته لاستيعاب أكثر من مليون وثلاثمائة ألف سوري، من دون أن يحصل على قدر كاف من المساعدات تسمح له بذلك. وفي حين يتخوف كثيرون من إعادة ترسيم جغرافي لحدود "سايكس-بيكو"، فإن ما يجري عملياً، وبعد أكثر من أربعة ملايين لاجئ سوري خارج بلادهم، هو إعادة ترسيم ديمغرافي لهذه الحدود.
في ظل غياب المعلومات الدقيقة، وحقيقة أن هناك نشاطا اقتصاديا غير رسمي في الأردن، فإن من الصعب معرفة أثر اللاجئين السوريين على العمالة بدقة، وفيما إذا كانت العمالة السورية غير المعلنة تأخذ من حصة الأردنيين والأردنيات، أم هي تأخذ من حصة العمالة من دول أخرى، كمصر على سبيل المثال. كما أن أعداد اللاجئين الكبيرة تستنزف موارد المملكة المائية، وتنهك البنية التحتية. ولا شك في أن كل ذلك أدى إلى تعاظم الشعور السلبي تحاه اللاجئين لدى قطاعات من الشعب الأردني، بالرغم من حالة التعاطف مع شعب أدى تمسك نظامه بالكرسي إلى قتل مئات الآلاف منه.
لكن كل ذلك لا يعني أن بعض السياسات الحالية يمكن لها الاستمرار. الحكومة لا تشجع أي دراسات تشير إلى بعض النتائج الإيجابية لوجود اللاجئين، بل إن هناك دراسات تشير إلى تدني مستوى البطالة في بعض المحافظات الشمالية.
إن استمرار تركيز الجهود على الإغاثة وليس التنمية، يمكن أن يؤدي إلى نتائج وخيمة على الأردن، أمنياً واقتصادياً. بعبارة أخرى، فإن عدم السماح للسوريين بالعمل رسمياً، يؤدي إلى الشعور بالحرمان، ويغذي التطرف داخل مجتمعات تعيش بيننا، لن يعود أفرادها إلى سورية في وقت قريب. كما أن تركيز الجهود نحو التنمية، سيساعد في استغلال الطاقات السورية داخل المجتمع الأردني، بما يعود بالنفع على الاقتصاد الأردني. الوضع الحالي لا يستثمر هذه الطاقات الاستثمار المناسب، بينما يؤجج مشاعر الغضب ويقود للتطرف.
تشير بعض الدراسات، أيضاً، إلى أن غياب الإرادة الدولية لتقديم المساعدات اللازمة، واستمرار الأزمة السورية من دون عودة سريعة لهؤلاء اللاجئين لبلدهم، يعنيان ضرورة التفكير بمقاربات جديدة تتيح لهم القدرة على إعالة أنفسهم، وإزالة بعض أسباب الاحتقان، من دون أن يؤدي ذلك إلى إضرار بالاقتصاد الأردني، بل يمكن أن يوظف طاقة هؤلاء إيجابياً لمصلحة هذا الاقتصاد، خاصة في بعض القطاعات النوعية التي تفتقر لخبرات محلية.
وزارة التخطيط تعي ذلك، وهي اليوم بصدد دراسة فتح المجال للعمالة السورية رسمياً في القطاعات المستوردة للعمالة، وبما لا يؤثر على العامل الأردني.
سيحتاج ذلك إلى حوار معمق مع المجتمع، كما يحتاج إلى حوار معمق أيضاً مع المجتمع الدولي لزيادة المساعدات للاجئين وللأردنيين أيضاً، وتوجيهها نحو التنمية. لكن الوقت قد حان لمثل هذه المقاربات، خاصة أن تجربة اللاجئين العراقيين أثبتت أننا مضطرون للتعامل مع قضية اللاجئين السوريين لفترة طويلة من الزمن.