الأخطار المالية تحت السيطرة حتى الآن!

Untitled-1
Untitled-1
توبياس أدريان*، وفابيو ناتالوتشي** "وصلت اللقاحات!" – إنها صيحة الترحيب التي سمعها العالم كله والتي عززت الآمال في حدوث تعاف اقتصادي عالمي في 2021. ولكن إلى أن تصبح اللقاحات متاحة على نطاق واسع، فإن انتعاش أسعار السوق والتعافي الاقتصادي مرهونان باستمرار الدعم من السياسة النقدية والسياسة المالية العامة. وما تزال المخاطر على الاستقرار المالي قيد السيطرة حتى الآن، لكننا لا نستطيع أن نركن إلى ذلك. فقد زاد ارتفاع أسعار الأسهم وسندات الشركات وغيرها من الأصول ذات المخاطر بعدما أعلن من أخبار عن نشر اللقاحات. ولم تكترث الأسواق المالية بتزايد حالات الإصابة بفيروس كوفيد 19، إذ عولت على أن استمرار الدعم من السياسات يعوض الأخبار الاقتصادية السيئة على المدى القصير ويبني جسرا نحو المستقبل. وفي ظل استمرار الانفصال الواضح بين الأسواق المالية المفرطة في النشاط والتعافي الاقتصادي الذي ما يزال متأخرا، تخيم على الأفق إمكانية حدوث تصحيح سوقي إذا أعاد المستثمرون تقييم الآفاق الاقتصادية أو درجة الدعم المقدم من السياسات ومدة استمراره. يقين لا تتزعزع نظرا للدعم غير المسبوق الذي تقدمه السياسات، تم تيسير الأوضاع المالية إلى نحو كبير في العام الماضي، في تراجع واضح عن التشديد الحاد الذي حدث أثناء اضطرابات آذار (مارس) 2020 في معظم البلدان، مما عزز النمو الاقتصادي. أسعار الفائدة المنخفضة وغيرها من إجراءات السياسات الداعمة كفلت تدفق الائتمان إلى الاقتصاد وحالت دون حدوث انهيار مالي. ورغم تزايد حالات الإصابة بفيروس كوفيد 19، انتعشت أسعار أسهم الشركات في قطاعات مثل الطيران وسلاسل الفنادق والخدمات الاستهلاكية بفضل استمرار توجُه المستثمرين إلى هذه القطاعات التي أنهكتها الأزمة بحثا عن صفقات مربحة. ففي الاقتصادات المتقدمة، ضاقت فروق العائد بشكل حاد – وهي الفرق بين عائدات سندات الشركات وعائدات سندات الخزانة الأميركية ذات الآجال المماثلة – سواء للشركات ذات التصنيف الائتماني المرتفع أو المنخفض، حتى اقتربت من المستويات السائدة قبل جائحة كوفيد 19 أو قَلت عنها، وانخفضت أسعار الفائدة إلى مستويات قياسية، مما خفض تكاليف التمويل على الشركات، كما حفز المستثمرين على زيادة المخاطرة في سعيهم لتحقيق عائدات أعلى على استثماراتهم. وقد استفادت بلدان الأسواق الصاعدة وشركاتها أيضا من تحسن المزاج السائد في السوق، مما وصل بإصداراتها من السندات إلى مستويات قياسية مرتفعة في العام 2020. وهنا أيضا حدث انكماش حاد في فرق العائد بين سندات الدين السيادي ودين الشركات من ناحية وسندات الخزانة الأميركية من ناحية أخرى. وانتعش الاستثمار الأجنبي في الأصول المالية للأسواق الصاعدة (الأسهم والسندات)، مما أتاح مزيدا من الخيارات لتمويل احتياجات تجديد الدين الكبيرة في العام 2021. زيادة اهتمام المستثمر الأجنبي بالأسهم والسندات ينشئ خيارات تمويلية أفضل للأسواق الصاعدة. وقد يتضرر النشاط الاقتصادي في بلدان عديدة من جراء طفرة الإصابات بفيروس كوفيد 19 وقيود الصحة العامة المصاحبة التي فرضتها الحكومات منذ أواخر العام 2020. غير أنه يبدو أن المستثمرين يشعرون بالتفاؤل إزاء آفاق النمو في العام 2021، ثقة منهم في أن صناع السياسات سيستمرون في دعم الأسواق المالية على طول المسار نحو التعافي. واقع مزدوج ما يزال الكثير من المحللين والمستثمرين يعربون عن قلقهم من أن القيمة الحقيقية للأصول ذات المخاطر، مثل الأسهم وسندات الشركات، تبدو غير متسقة مع قيمتها السوقية. فعلى سبيل المثال، نجدهم يشيرون إلى عدم الاتساق بين أسعار سوق الأسهم وتقييماتها السوقية (بالغة الارتفاع) والتقييمات المتناسبة مع أساسيات الاقتصاد (التي ما تزال ضعيفة)، وخاصة عند النظر إلى أوجه عدم اليقين الاقتصادي الكبيرة. غير أن أطرافا أخرى مشاركة في السوق تذهب إلى إمكانية تفسير تقييمات السوق الحالية بالنظر إلى بيئة أسعار الفائدة المنخفضة لفترة مطولة. وتبريرا لانتعاش أسعار الأسهم في السوق، تشير هذه الأطراف إلى توقعات استمرار أسعار الفائدة شديدة الانخفاض في المستقبل المنظور (رغم ارتفاع أسعار الفائدة طويلة الأجل مؤخرا في الولايات المتحدة) والتوقعات المعدلة بالزيادة لأرباح الشركات منذ الإعلان عن اللقاحات. ويذكرون في هذا الصدد أيضا التقلب المرتفع نسبيا في أسواق الأسهم كما يتضح من مؤشر مؤشر ستاندارد آند بور 500 للتقلبات الضمنية في أسعار عقود الخيار (S&P500 VIX) – وهو مقياس لمزاج السوق – والذي يمكن أن نتوقع له مستوى أقل من ذلك إذا كان المستثمرون مبالغين بالفعل. وقد ساقوا اعتبارات مشابهة بشأن الدعم المقدم من السياسات تفسيرا لأوضاع أسواق الائتمان. زيادة اهتمام المستثمر الأجنبي بالأسهم والسندات ينشئ خيارات تمويلية أفضل للأسواق الصاعدة. دعم السياسات ما يزال ضروريا ينبغي لصناع السياسات حماية التقدم الذي تحقق حتى الآن والبناء على نشر اللقاحات للعودة إلى النمو المستدام عن طريق الحفاظ على الطابع التيسيري للسياسة النقدية، وضمان دعم السيولة في قطاعي الأسر والشركات، والوقاية من المخاطر المالية. ومن الممكن أن يؤدي تخفيض الدعم أو إلغاؤه في هذه المرحلة إلى تهديد التعافي الاقتصادي العالمي. إفراط وتفريط – ما مدى خطورة احتمال حدوث تصحيح سوقي؟ بينما لا يوجد حتى الآن أي بديل لاستمرار الدعم من السياسة النقدية، فإن هناك مخاوف مشروعة حول الإفراط في المخاطرة والطفرات اللاعقلانية في السوق. ويخلق هذا الموقف مأزقا صعبا بالنسبة لصناع السياسات. فهم يحتاجون إلى الحفاظ على تيسير أوضاع السوق لإقامة جسر نحو نشر اللقاحات والتعافي الاقتصادي. ولكنهم يحتاجون أيضا إلى حماية النظام المالي من العواقب غير المقصودة لسياساتهم، مع البقاء في حدود المهام المنوطة بهم. وإذ يعول المستثمرون على استمرار الدعم الذي تقدمه السياسات، فإن هناك شعورا بالتراخي يبدو متغلغلا في الأسواق. ومع اقتران ذلك بتوحد واضح في رؤى المستثمرين، تزداد مخاطر حدوث تصحيح أو "إعادة تسعير" في الأسواق. ومن شأن حدوث تصحيح حاد مفاجئ في أسعار الأصول – نتيجة لاستمرار زيادة أسعار الفائدة، على سبيل المثال – أن يتسبب في تشديد الأوضاع المالية. ويمكن أن يتفاعل ذلك مع مواطن الضعف المالي القائمة، مما يخلق تداعيات على الثقة ويهدد الاستقرار الاقتصادي الكلي والمالي. وما تزال المخاطر على الاستقرار المالي قيد السيطرة حتى الآن، ولكن ينبغي التحرك لمعالجة مواطن الضعف التي كشفت عنها الجائحة، ومنها تزايد دين الشركات، وأوجه الهشاشة في قطاع المؤسسات المالية غير المصرفية، وتزايد الدين السيادي، وبواعث القلق بشأن مدى إمكانية نفاذ بعض الاقتصادات النامية إلى الأسواق، وتراجُع الربحية في بعض النظم المصرفية. وينبغي لصناع السياسات استغلال الفترة الراهنة للعمل على حماية الاستقرار المالي بتطبيق إجراءات احترازية كلية (مثل الإشراف الرقابي والاحترازي الكلي الأشد صرامة، بما في ذلك إجراء اختبارات موجهة لقياس قدرة البنوك على تحمل الضغوط واستخدام أدوات احترازية مع المقترضين ذوي الرفع المالي الفائق) وإنشاء أدوات جديدة حسب الحاجة. فعلى سبيل المثال، ينظر صناع السياسات فيما إذا كان إطار السلامة الاحترازية الكلية للمؤسسات المالية غير المصرفية قد يحتاج إلى تعزيز لمعالجة أوجه الضعف التي ظهرت للعيان أثناء اضطرابات آذار (مارس) الماضي. وتمثل معالجة مواطن الضعف من خلال هذه السياسات ضرورة أساسية لتجنب تعريض النمو الاقتصادي للخطر على المدى المتوسط والحيلولة دون عدم الاستقرار المالي الناجم عن اضطراب الاقتصاد العالمي. *توبياس أدريان المستشار المالي ومدير إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد الدولي. **فابيو ناتالوتشي نائب مدير إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في الصندوق.اضافة اعلان