الأردنيون الآن أكثر أمنا واطمئنانا

كان معلوما ان تنظيم "داعش" لا يستطيع التعرض للأردن بالمواجهة المباشرة واحتلال الأرض؛ إذ لا تتوفر للتنظيم الظروف المواتية كما في سورية والعراق أو ليبيا، وسبيله المحتمل عندنا هو الاختراق الأمني بالأعمال الإرهابية والتفجيرات عبر متسللين أو خلايا نائمة.اضافة اعلان
في أعماق كل واحد منا كان هناك قلق مكبوت من حركة قادمة لا محالة، تستهدفنا بأنشطة إرهابية ربما تكون أسوأ من تفجيرات الفنادق العام 2005. وكان السؤال هو: متى، وكيف سيحدث ذلك؟!
الآن حدث ذلك؛ إذ كانت هناك خلية أو أكثر على وشك أن تنفذ أعمالا إرهابية، لولا أن فرسان الحق وعيون الوطن الساهرة كانوا المبادئين بضربة استباقية قبل ساعة الصفر، قصمت ظهر المجرمين. كان عملا باهرا توج جهدا استخباريا محترفا، أمسك بالخيوط وتمكن من تتبع المتآمرين إلى وكرهم في الوقت المناسب، لتنفيذ عملية عسكرية ناجحة رغم صعوبة المكان في قلب منطقة آهلة. وأمكن للأردنيين أن يتنفسوا الصعداء، إذ تم إخماد المشروع الإجرامي في المهد.
كان الثمن المؤلم سقوط النقيب راشد الزيود، ابن القائد السابق لحرس الحدود الشمالية، شهيدا. وكان يمكن للرصاصة التي أصابت رأسه أن تخطئه بأجزاء من الثانية، لكن هكذا قدر الله؛ أن ندفع الثمن حياة أحد ضباطنا البواسل. وهي احتمالية لا يمكن تفاديها في أي مواجهة مسلحة كهذه. وكما قال والد الشهيد، فإن أسود قواتنا المسلحة والقوات الأمنية المختصة، منذورون لهذا الاحتمال؛ فشرف أمتهم معلق عليهم، ومنوط بهم أمن وحرية وكرامة كل بيت أردني.
هذه ليست نهاية المطاف، وإنما واقعة واحدة في الحرب ضد الإرهاب. لكن لها دلالات حاسمة تستحق الاحتفاء، من حيث السيطرة والاختراق لقلب الأوساط المتطرفة، أكانت مرتبطة مباشرة أو غير مباشرة بداعش والاتجاه الظلامي التكفيري.
لقد ثبت أن المخابرات والأجهزة الأمنية الأخرى لا تتحسس طريقها في الظلام، وأن سمعتها المميزة مبنية على حقائق وإنجازات، والدليل أن عملية إرهابية واحدة لم تنجح حتى الآن. ولعل الكثير من الأعمال الاستباقية، على نطاق أضيق، قد حدثت ولم يعلن عنها حتى المواجهة العسكرية الأخيرة في إربد، والتي استبقت ساعة الصفر لعمليات إرهابية يعلم الله دمويتها، وربما كان من بينها تفجيرات انتحارية في أماكن مكتظة.
الأردنيون عرفوا معنى الإرهاب منذ تفجيرات الفنادق، وعرفوا أي نموذج من البشر هم هؤلاء الظلاميون المجرمون في قضية الشهيد الطيار معاذ الكساسبة، وفهموا أن ثمة وحشاً ظهر في منطقتنا وبين ظهرانينا يجب استئصاله، وأن مداراته والوقوف على الحياد لن يردعه، بل سيشجعه؛ فهو بالتعريف (وحش) معاد لكل ما يختلف عنه ومعه. ودولتنا ومجتمعنا وطريقة حياته مستهدفون بنفس المنطق والطريقة التي رأيناها في سورية والعراق من قسوة وإجرام ونذالة بحق الرجال والنساء والأطفال وإرث الشعوب الحضاري، وكل شيء جميل على ظهر الأرض.
آلاف التعليقات ساعة بساعة ودقيقة بدقيقة، عكست مشاعر الأردنيين وانفعالاتهم العفوية، والتضامن العارم مع جنود الوطن، والحماس الملتهب لمعركة سحق الإرهابيين، حتى كأني كنت أسمع زغاريد النساء في البيوت لقواتنا الأمنية الرائعة. ولعل في ذلك أعظم عزاء لأهل الشهيد البطل راشد الزيود؛ إذ قضى في قلب المواجهة مانعا الأذى عن أهله، وحافظا لوطنه ومليكه العزّة والمجد، ومفتديا بحياته حياة أردنيين كثر كانت ستطالهم العمليات الإرهابية، ومانحا كل أردني الشعور بالأمان والثقة بالنصر على المشروع الإرهابي المظلم.