الأردن ومعركة الجنوب السوري الأخيرة

مؤشرات عديدة على أزمة لجوء جديدة أخذت تتبلور بقوة بالقرب من الحدود الأردنية السورية مع ازدياد العمليات العسكرية في الجنوب الغربي السوري، وتذهب تقديرات مستقلة إلى أن نحو 12 ألف مدني هربوا من ديارهم شرقي مدينة درعا في اليومين الأخيرين باتجاه الحدود الأردنية التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة وجماعات إرهابية متطرفة بعد أن كثفت القوات السورية عملياتها وقصفها المدفعي فيما يبدو أن قرارا سياسيا سوريا رسميا اتخذ بنقل زخم العمليات العسكرية نحو الجنوب.اضافة اعلان
التطورات الراهنة تقود الى استنتاج بديهي مفاده أن الاتفاق الأردني الروسي الأميركي الذي أنجز العام الماضي في طريقه الى النهاية أو لإعادة صياغة وفق أسس جديدة تراعي الاعتبارات الجديدة وفي مقدمتها الحقائق العسكرية على الأرض واستمرار الجيش السوري في فرض الحسم الاستراتيجي واستعادة الأراضي التي وقعت تحت سيطرة الجماعات المسلحة، وكان الأردن قد بدأ خطوات مهمة منذ شهر تموز من العام الماضي أفضت إلى اتفاق لدعم وقف إطلاق النار وخفض التصعيد، بهدف إعادة الاستقرار والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المنطقة بعد أن قادت عملية الركبان الإرهابية عمليا الى إغلاق الحدود الأردنية السورية ووقف تدفق اللاجئين.
في هذا السياق، ثمة زخم سياسي كبير يصاحب بداية حشد الجيش السوري صوب الجنوب بعض هذا الزخم معلن وبعضه يشير الى تفاهمات ما تزال طي الكتمان، وفي هذا السياق يفهم جانب من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو  الأخيرة الى عمان، والزخم الدبلوماسي والأمني الذي باتت تشهده العاصمة الأردنية، المصالح السياسية والاستراتيجية الأردنية تذهب الى دعم تفاهمات استراتيجية مع دمشق تقوم على توفير بيئة ملائمة لإجراء مصالحات بين النظام وبعض جماعات المعارضة المسلحة في الجنوب مقابل إلقاء السلاح والدخول في العملية السياسية، وبالتالي فالتقدير الاستراتيجي الأردني منذ فترة طويلة يميل الى خيار استقرار الحدود الشمالية، ولن يتحقق ذلك إلا بعودة السيطرة للجيش السوري، فقد انتهت الكثير من فصول اللعبة الدامية.
العملية العسكرية السورية الجديدة تقصد منطقة تخفيض التوتر في الجنوب التي استهدفها الاتفاق السابق، وهي مثلث الموت الممتد ما بين ريف دمشق ومحافظتي درعا والقنيطرة وصولا الى منع وجود أي قوات غير القوات السورية الرسمية على الحدود الأردنية والحدود مع الجولان المحتل، بينما تركز الجهود الروسية على حلول تصالحية يزداد التوتر الإسرائيلي والأميركي والرفض الأردني لأي دور إيراني أو لقوات حزب الله في مستقبل هذه المنطقة أو حتى في العمليات العسكرية الجارية والمتوقعة، نقطة الافتراق بين الرؤية الأردنية والرؤية الأميركية الإسرائيلية أن الأخيرة تعمل على دعم وإبقاء الجماعات المسلحة وتعزيز نفوذها بغية خلق كنتونات محلية وجيوب نفوذ يمكن تحريكها، ما يجعل فكرة تفتيت الدولة السورية واردة تماما، بينما تذهب الرؤية الأردنية الى رفض وجود أي جماعات مسلحة سواء الجماعات الإيرانية ومن في حكمها أو الجماعات السنية المتطرفة من أجل الحفاظ على وحدة التراب الوطني السوري، وباتت الأدلة واضحة على هذه الرؤية في سلوك الجماعات القريبة من عمان مثل جيش العشائر السوري وغيره.
على مدى سبع سنوات من الصراعات، روجت ماكنات الدعاية بأن الأردن سوف يفتح جبهات على حدوده من سورية أو سيفتح جبهات لدعم جماعات المعارضة المسلحة في الجنوب، صحيح قد يكون طلب من الأردن هذا الأمر ومورست عليه ضغوط لكنه لم يحصل، فالكل في المنطقة والعالم بات لا يريد أن تنتهي الحرب في سورية قبل أن ينال حصته من المكاسب، وعلى الرغم من ورود أنباء عن مغادرة قوات إيرانية وقوات أخرى لحزب الله لمناطق في الجنوب ما قد يشير الى تفاهمات جديدة، فإن احتمالات معركة شرسة في الجنوب السوري ما تزال مفتوحة ومتوقعة بقوة، ما يجعل الأردن بحاجة أكثر الى بناء فرضيات جديدة للأسابيع المقبلة على ثلاثة محاور أساسية؛ الأول: احتمالية موجة جديدة من اللاجئين والحاجة الى عمليات إغاثة إنسانية داخل الحدود السورية، والثاني: ضغوط غربية وعربية في حال بروز مشاركة إيرانية في هذه المعركة، والثالث بناء تصور وطني لخريطة المصالح والمواقف في اليوم التالي حينما تضع الحرب أوزارها والذي بات قريبا جدا.