الأرقام لا تكذب: نحن فقراء

أن يقلّ دخل أسرة عن 350 ديناراً شهرياً، أي حوالي مليون مواطن دخل الواحد منهم 70 دينارا للفرد الواحد قياسا إلى معدل حجم الأسرة، هو أمر يعطي تصورا مبدئيا عن مستوى معيشة المواطن ضمن هذه الفئة.اضافة اعلان
تلك الأرقام ليست توقعات وتكهنات، كما أنها ليست مزحة ثقيلة؛ بل هي نتائج مسح دخل ونفقات الأسرة للعام 2013! مع الإشارة إلى أنها باتت أرقاما قديمة، كونها تعود إلى ما قبل عامين. وليكون السؤال التلقائي: كيف هي حال هذه الشريحة اليوم، والتي تضم 230 ألف أسرة؟!
إذا كان هؤلاء ليسوا فقراء وفق المعايير الرسمية المعتمدة، حيث يقدر خط الفقر بحوالي 67.7 دينار شهريا للفرد، إلا أنهم معرضون للانزلاق إلى ما دون خط الفقر، نتيجة كثير من الأسباب، ليس أقلها مرض مفاجئ يصيب أحد أفراد الأسرة.
مئات الآلاف من الأسر الأردنية دخلها أقل من 500 دينار شهرياً، وبما يعد أكبر وأخطر تهديد يواجه الأردن في المرحلة الحالية، بحكم ما يحمله، غالباً، أفراد هذه الأسر في دواخلهم من شعور بالتهميش والإقصاء وقلة الحيلة، نتيجة ضعف السياسات الرسمية إزاء الحاجة إلى تحسين أحوال هذه الشريحة التي تتسع لتشمل المعدمين صعوداً إلى "المستورين" المهددين بالفقر في أي لحظة!
تقرير مسح دخل ونفقات الأسرة للعام 2013، والمنشور في "الغد" أمس للزميلة سماح بيبرس، يعكس معدلات الدخل لخمس عشرة شريحة، وما سبق هي الشرائح الأدنى والأسوأ حالا. لكن ذلك لا يعني أن مداخيل الشرائح المتوسطة، وعددها خمس، أفضل بكثير، وإلى الحد الذي يبعث على الطمأنينة، قياساً على تكاليف المعيشة. إذ يتراوح دخل 496 ألف أسرة بين 400 و666 ديناراً شهرياً.
وأما الشرائح الأعلى التي يتراوح دخلها بين 750 و1166 ديناراً شهرياً للأسرة، فنجد أن عدد الأسر بين هذه الشرائح الخمس الأعلى يبلغ 526 ألف أسرة.
بالتدقيق بالأرقام وتوزيع الأسر فيها، يظهر أن غالبية الأسر الأردنية، وعددها 726 ألف أسرة من أصل 1.253 مليون أسرة، دخلها الشهري أقل من 666 ديناراً شهريا، ما يعني أن 68 % من الأسر دخلها أقل من المبلغ السابق. وبالتالي، فحتى وإن لم يصنف جزء من هذه الأسر ضمن الشرائح الفقيرة، فإنها تظل بالكاد قادرة على الوفاء بالتزاماتها الأساسية. مع التذكير أن متوسط عدد أفراد الأسرة الأردنية يبلغ خمسة أفراد، لكنه عدد يرتفع ضمن الشرائح الأقل دخلا مقارنة بشرائح الأسر الأعلى دخلا.
الإخفاقات متنوعة هنا. فالحكومة تهمل المسح لدرجة تؤخره مدة أربع سنوات عن موعده المقرر. إذ إن آخر مسح أجري قبل المسح المقصود هنا كان في العام 2008، وبنيت عليه أرقام الفقر للعام 2010. ومنذ ذلك الحين لم يصدر أي مسح لدخل ونفقات الأسرة رغم الظروف المؤثرة والضاغطة عليها خلال السنوات القليلة الماضية.
ومن ثم، فإن الحكومة بقدر ما تتحدث عن تحسين أحوال الناس، بقدر ما تهمل اتخاذ خطوات حقيقية لأجل ذلك. وليبدو الحديث أكثر بكثير من العمل المطلوب. فالأرقام لا تكذب، وحين تبيّن عن أن هناك حوالي مليون مواطن ينطبق عليهم وصف "معدمين"، فإنها "تكشف الطابق" وتُسكت كل من ينزعج من الحديث عن تردي أحوال الناس.
الأرقام الرسمية تحكي كم هي هشة أحوال المجتمع، وتشي أيضا بحجم المعاناة المالية التي يكابدها عدد كبير من المواطنين. فالمداخيل لا تكفي، ولتتسع الفجوة بينها وبين معدلات الإنفاق. وذلك ما يفسر تراجع منسوب الادخار لدى الأسر، ويؤشر إلى أن التحدي الأكبر لصانع السياسة هو الاقتصاد الذي يبدو هشا ضعيفا باعتراف أرقام المؤسسات الحكومية.
ولا يبتعد عن ذلك، الأثر الخطير على الأمن الاقتصادي والاجتماعي، فهو أمن لا يبدوالحفاظ عليه سهلا في ظل الأرقام السابقة بكل إحباطاتها.