الأزمة الاقتصادية واختراق الجدار

تبدو الخيارات الاقتصادية والتجارية أمام الأردن اليوم شبه معدومة للخروج من عنق الزجاجة ومن الأوضاع الاقتصادية الضاغطة بصورة غير مسبوقة، في ظل تواصل تأثير إغلاق العديد من الأسواق أمام صادراتنا، ما انعكس، ضمن ما انعكس، في حالة ركود مقلقة، فاقمتها سياسات اقتصادية رسمية قاصرة، عمّقت من الأزمة العامة.اضافة اعلان
اليوم، نصطدم بالجدار! فالأوضاع المعيشية والاقتصادية لمختلف الشرائح الاجتماعية، وصلت حد الإنهاك والتآكل، وهي حالة لم توفر شريحة الفقراء ومحدودي الدخل ولا الطبقة المتوسطة، ولا حتى الغنية من طبقة التجار الكبار والصناعيين والمستثمرين، فالحلقة الشيطانية للأزمة الاقتصادية وعقم السياسات الرسمية التي تركز على توسيع قاعدة الضرائب والرسوم، وإزالة الدعم عن سلع ارتكازية أساسية، وتحرير ورفع الأسعار والخدمات، تطال منذ سنوات وبالتوازي مختلف الشرائح المجتمعية والطبقات.
عمق الأزمة والاصطدام بالجدار في هذا السياق، يبدو واضحا اليوم في اشتعال الأضواء الحمراء بعد تسرب أنباء توجه الحكومة لتعديل قانون الضريبة وتوسيع قاعدتها، ثم بدء تراجعها عن هذا التوجه استنادا لما رصدته مجسّات الدولة من احتقان مقلق في الشارع!
في ظل هذه العتمة ومحدودية الخيارات للانتعاش والنهوض من الأزمة الاقتصادية، تطل بالأفق خيارات عودة الحركة التجارية مع العراق وسورية، وفتح آفاق واسعة ومبشرة للاقتصاد الأردني وصناعته وتجارته. الأوضاع في العراق باتت قاب قوسين أو أدنى من الاستقرار وإعادة الإعمار لما دمره الإرهاب والحرب، ما سينعكس كل المقاييس إيجابا على الأردن وصادراته.
أما سورية، التي تذهب أغلب التحليلات والتوقعات، إلى أن أزمتها وحربها الأهلية الممتدة منذ سبع سنوات في طريقها إلى الانتهاء والتسويات والانفراج، فإنها تفتح للأردن آفاقا اقتصادية وتجارية قد تفوق بكثير ما يتحقق للمملكة من فتح السوق العراقية، في ظل حاجة سورية المنكوبة إلى إعادة إعمار واسعة، ووجود أفضلية جيوسياسية للأردن على هذا الصعيد، ناهيك عما يمكن ان يحققه الاستقرار السوري من فوائد للاردن ودول الجوار بفتح الباب لعودة عشرات آلاف اللاجئين.
عودة الحركة التجارية مع العراق ولاحقا سورية كفيلة بالحسابات الاقتصادية لإعادة الحياة والنشاط لكل القطاعات الاقتصادية الأردنية، من صناعة وتجارة وزراعة ومواد خام، وبالتالي الخروج من عنق الزجاجة والتأسيس لإعادة الحياة للعجلة الاقتصادية والتنموية الأردنية بعد احتباس طويل.
ما الذي يرتبه هذا التحليل للآفاق التي نتحدث عنها؟ إنه يرتب على الأردن والحكومة وضع عودة العلاقات التجارية مع العراق (وهذه أخذت طريقها إلى الانفراج) ومع سورية، على سلم الأولويات الوطنية، وضمن خطة ورؤية سياسية واقتصادية استراتيجية واضحة، لا توفر أي أدوات سياسية ودبلوماسية وأمنية لضمان تحققها، بحيث يكون على رأسها إعادة فتح المعبر البري مع سورية، والدفع قدر الإمكان باتجاه نجاح جهود عودة الاستقرار لسورية وانتهاء الحرب.
نعم؛ قد تكون مفاتيح الحلول الاستراتيجية للأزمة السورية هي بيد قوى عالمية وأقليمية كبيرة، لديها ما يفوق إمكانيات وحسابات الأردن تجاه هذه الأزمة، لكن ذلك لا يمنع من التأكيد على أن للمملكة، بعلاقاتها ومصالحها وتداخلاتها، دورا مهما في الدفع باتجاه إنهاء هذه الأزمة، فكيف إن كانت مصالح الأردن الاستراتيجية لا تستقيم اليوم إلا بعودة الاستقرار الى سورية، وعودة الحركة التجارية والاقتصادية معها لانتشال الاقتصاد الأردني من الأزمة المستعصية التي يدور فيها بعد تقلص المساعدات الخارجية وزيادة أعبائه جراء تدهور أوضاع الاقليم منذ سنوات.
الجهود الوطنية مطالبة اليوم بأن تنصب على هذا الملف الحيوي ضمن رؤية سياسية واستراتيجية واضحة.. ودون مراوحة في حسابات الماضي أو معطياته التي فرضت نفسها في ذلك الماضي، قبل أن تتغير وتصبح من التاريخ!