غادة بدر
بعد أن تصدرت الولايات المتحدّة الأميركيّة العالم في انتشار فيروس كورونا، متجاوزة الصين وإيطاليا بعدد الإصابات التي سجّلت حتى لحظة كتابة هذا المقال 142,537 إصابة، بات الطريق وعرا في ظل الانتشار المتسارع للوباء كما أشار مدير المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية انتوني فوسي، ذلك الانتشار المتسارع الذي وقف وراءه العديد من الأسباب كالتأخر في إجراء الفحوص وعدم التحرك الوطني المبكر، لم يكن سوى محرك قوي لتنفيذ أكبر حزمة مساعدات في التاريخ الأميركي لمواجهة العواقب الاقتصادية للفيروس، فجاءت حزمة المساعدات التي بلغت 2 تريليون دولار بعد الارتفاعات الكبيرة لأعداد الأميركييّن المطالبين بالدعم المادي والمعونات بسبب تعطلهم عن العمل والذين تجاوزوا 3.3 مليون أميركي.
في سياق الأحداث المتسارعة ثمة تساؤلات مشروعة كثيرة لا بد من طرحها لفهم المرحلة القادمة بعد العقود السبعة التي تفردت بها الولايات المتحدة الأميركية في قيادة هذا العالم، ومن تلك التساؤلات: هل بدأت أزمة أميركا الحقيقية، وهل سيموت نصف سكان بعض ولاياتها؟ هل ستتمكن من المحافظة على الديمومة الاقتصادية أم أن الكورونا وفي ظل ذلك الانتشار المتسارع ستتسبب في انهيارها اقتصاديا وانهيار المستقبل؟ وهل ستتحقق فعليا تنبؤات المختصين بإفلاس 50 % من الشركات في الولايات المتحدة الأميركية والعجز عن تحقيق أي أرباح لمن تبقى منهم؟ وماذا عن الصين المنافس الأشرس والأقوى للولايات المتحدة الأميركية؛ كيف ستكون المعادلة السياسية بين هذين القطبين حيث لا توازن بسبب صعود الصين، كيف سيبدو الميزان السياسي بينهما في ظل العجز الجاري عن تحقيق اتفاقيات حول العديد من الملفات العالقة بين الطرفين كالتكنولوجيا والعملة الدولية الموحدة وحاكمية الإنترنت وحقوق الملكية الفكرية؟
هل سينجح الرئيسان ترامب وشيجن بينج في تجنيب دولتيهما أزمة عالمية من خلال التوصل الى تسوية في الشهور القليلة القادمة؟
لطالما أن الوباء طال كلتا الدولتين، وكانت لكل منهما إستراتيجياته وأدواته اللوجستية في التعامل مع الأزمة فإنه ومما لا شك فيه بأن التفوق في التصدي والقدرة على التعامل مع العناصر المختلفة للأزمة سيحكم لاحقا نوعية وسمات الوضع السياسي والاقتصادي لكلتا الدولتين ومن المرجح أن تكون هذه النتائج واحدة من أهم المحفزات المتحكمة في كينونة العلاقات وديمومتها وإستراتيجياتها على صعيد المستقبل، نتفق بأن كلتا الدولتين العظميين تخوضان حربا على الوباء وأيا كانت النتائج المترتبة على تلك الحرب الوبائية لكلتا الدولتين فإنها ستحسب وستؤثر في المستقبل القريب فالأزمة الاقتصادية العالمية قادمة لا محالة ولم يكن فيروس كورونا سوى صافرة البدء لتلك المرحلة حيث سيكون الأثر على الاقتصاديات الصينية والأميركية والعالمية.
في الأيام القليلة الماضية تمكنت الصين من امتلاك قدرات كامنة في التعامل مع فيروس كورونا وعالجت الأزمة بل وخففت من الأضرار فقامت ببناء وتجهيز وإدارة مستشفى يتكون من 2600 غرفة في غضون عشرة أيام كما نفذت الإجراءات الكفيلة بحماية مواطنيها واقتصادها فنجحت في التعامل المتوازن بين العنصرين البشري والاقتصادي حيال الأزمة بل واستطاعت أن تتخذ تدابير وإجراءات خيالية للحد من انتشار الفيروس في دولة يقطنها مليار ونصف مليار إنسان، فقد كان عنصر التعبئة هو العنصر الأشد سيطرة على الأزمة التي بدأت من مدينة ووهان المدينة الصناعية الواقعة على الأطراف وهي المدينة التي تصدر الصين من خلالها 78 % من صادراتها إلى العالم حيث أنها المنفذ الرئيس للصناعة والتبادل التجاري الدولي.
بعد التعافي الصيني تجابه الولايات المتحدة الأزمة الوبائية بخطى يشوبها التأخر تارة والتردد تارة أخرى خاصة بعد أن أعلنت البورصة أن انهيار الأسهم الأميركية يوم 28 كان الأدنى منذ 2008 ذلك الانهيار الذين ستكون له تداعياته عالميا خاصة وأن الناتج الأميركي القومي الإجمالي والذي يبلغ 20.4 تريليون والذي يشكل مع الناتج القومي الصيني البالغ 13 تريليونا نصف الناتج القومي العالمي والسؤال الأهم في هذا السياق هل ستتمكن الصين من المحافظة على معدل نمو الاقتصاد البالغ ثلاثة أضعاف معدل النمو الاقتصادي الأميركي، أما النقطة الأصعب ماذا لو نجحت الصين في إنتاج عقار لمعالجة فيروس كورونا بعيدا عن الاحتكار الأميركي، بل وأفضل منه وبسعر تنافسي، وماذا لو استمر وتوسع دورها الريادي في مساعداتها للدول التي تواجه فيروس كورونا كما حدث مع إيطاليا، وماذا لو قام رئيس آخر غير الرئيس الصربي الكسندر فوتشيتش بشن هجوم كلامي ليعلن فيه كما أعلن الرئيس الصربي عن التفكير الجدي بالاعتماد على التعاون والشراكة مع الصين بدل الغرب.
كاتبة وإعلامية أردنية