قضايا

الأسرة: حسن الاختيار بداية الاستقرار

محمد المقدادي*

لما للأسرة من دور كبير في البنية المجتمعية، جاء التوجيه الإلهي والإرشاد النبوي بالحث على حسن الاختيار. وقد خوطب كلا الطرفين بذلك، كونهما يشكلان أس الأسرة وأساسها.
وقد أبان الشرع الشريف أن الاختيار يتم من خلال معايير معينة؛ كمعيار الجمال أو معيار المال أو معيار النسب. وحث الشارع على عدم الأخذ بهذه المعايير وحدها من دون الأخذ بمعيار الدين، فقال عليه الصلاة والسلام: “لا تتزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن. ولا تزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن أن تطغيهن”. وقال: “من تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقرا”.
ولكن الشارع أكد على ضرورة الأخذ بالمعيار الديني، وهو معيار يظهر سلوكا أخلاقيا راقيا في التعامل مع الآخر، سواء كان هذا الآخر قريباً أم غريباً، جارا أو ذي رحم. كما يظهر التزاماً بأوامر الشرع الحنيف، كونه يمثل معياراً أخلاقياً وسلوكياً؛ فقال عليه الصلاة والسلام مخاطباً الزوج: “تنكح المرأة لأربع؛ لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها. فاظفر بذات الدين تربت يداك. وقال مخاطبا أهل الزوجة: “إن أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”.
كما بين الشارع الشريف أهمية الاختيار السليم في استقرار الأسر، فقال عليه الصلاة والسلام: “ما استفاد المؤمنُ بعد تقوى الله خيراً له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته وإن نظر اليها سرته وإن أقسم عليها أبرته وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله”. وقد سأل رجل الحسن البصري: بمن ازوج ابنتي، فقال: “زوجها مِمنْ يتقي الله فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها”.
كما لم يغفل الشرع أهمية البيئة وأثرها على سلوك الأفراد؛ فالإنسان ابن بيئته. ولذلك جاءت الوصية النبوية: “إياكم وخضراء الدِمن. قيل: وما خضراء الدِمنْ؟ قال: المرأةُ الحسناء في المَنبت السوءْ”.
فإذا أحسن كلا الطرفين الاختيار، يكون ذلك بمثابة عامل وقائي لمشاكل قد تحدث في المستقبل، تكون في أصلها نتيجة لسوء الاختيار. وحينما يساء الاختيار، تصبح الحياة الزوجية عرضة لكثير من المشكلات. فربما تختار الزوجة الزوج لأجل ماله فقط، وهو مدمن قمار أو يتعاطى الكحول، فتتحولُ الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق. وربما تكون الزوجة غيرَ مبالية، فتُهمل تربية أبنائها والعناية ببيتها وزوجها، فينتج عن هذا الزواج عائلةٌ مفككة.
وعلينا أن نشير إلى أمر غاية في الأهمية، وهو أن أغلب حالات الطلاق ناتجة عن سوء الاختيار. فحوالي 60 % من حالات الطلاق تحدثُ في السنة الأولى من الزواج أو قبل الدخول، مما يدلُ على سوء الاختيار. ومن هنا فقد أحاط الشارع حرية الاختيار في الزواج بنصوصٍ واضحة حتى لا يتم التأثير على هذه الحرية من أطراف أخرى، فقال عليه الصلاة والسلام: “تخيروا لِنُطَفِكم وأنْكِحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم”. وقد أعطى الشارع الحرية لكلا الطرفين في قبول الآخر أو رفضه؛ فلا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى  تستأذن.
ولا يكون العقد ملزما إلا بحرية الاختيار. وعند عدم توافر هذه الإرادة وحرية الاختيار، يكون العقد قابلا للفسخ. إلا أن هذه الحرية مقيدة بضوابط مصلحية لكلا الطرفين. وهذه الضوابط لا تنتقص الحرية وإنما تعمق الروابط وتحقق الغاية التي من أجلها شرع البناء الأسري، إذ قال تعالى: “هو الذي خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا اليها”. فالسكن النفسي لا يتحقق إلا من خلال الاختيار الصائب، أما الاختيار الذي يجانب الصواب فيكون بداية للتفكك الأسري وانفراط لعقد لم يحسن نظمه. وحينما ينفرط عقد الأسرة تنهدم لبنة في البناء المجتمعي.
كما أن ضريبة تفكك الأسرة وانحلالها يتم دفعها من قبل الأبناء الذين ربما يتشردون أو يتعرضون لمشاكل نفسية، تنعكس واقعا في حياتهم المستقبلية.

*باحث أسري

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock