الأشباح قادمة

هل أنت خائف؟ سؤال يسأله من يظن نفسه شجاعاً مقداما بما فيه الكفاية، فإذا ما أطفأ الأنوار وقعد في حجرته برفقة أصدقائه أو برفقة إخوته، يضحك ويتهكم على ذلك الرفيق أو ذلك الأخ الصغير الذي يفغر فاه ويبدأ العرق يتصبب من جبينه، يسأله المنتشي بشجاعته وعيناه تملؤهما البهجة من مجرد رؤيته لشخص خائف يا لك من جبان هل أنت خائف؟ فهل فعلا ما يدعيه صاحبنا من أنه مقدام وشجاع صحيح؟ إذا ما لمحت عيناه طيف شبح قادم من هناك…من تلك المقبرة البعيدة المهجورة المظلمة، لا يسمع فيها سوى صفير الرياح في يوم عاصف ممطر، ترتجف أوصاله ويتنازل ساعتها عن فكرة تحديه للخوف واستعراض عضلاته.اضافة اعلان
لا بأس فالأشباح ليست إلا أوهاما نسجتها اقلام الكتاب وحاكتها ألسن الجدات ورواها ذلك الحكواتي الضرير، لكن بإمكانها أن تظهر ونراها بالفعل اذا فقد العالم معنى الإنسانية وضاع الأمن وتلاشى السلام، فلا يرى الأشباح إلا أولئك الذين اكتووا بنار الحرب والخراب والتشتت، لأن السلام هو الغذاء الذي تتغذى عليه الحضارات، فكيف للإنسان أن يبني مجتمعه ويعمره من دون السلام؟! وكيف للدول أن تزدهر وتقدم الخدمات لشعوبها لولا فسحة السلام والأمن اللذين أنعمهما الله على الناس.
كم هي الشعوب التي عانت من ويلات الحرب وتمنت الخلاص منه وصارت كلمة السلام حلما بعيد المنال. لا يستطيع المرء أن يطور نفسه ويحافظ على علاقته مع الآخرين ويتنعم بها ويذوق طعم الراحة عند عودته من عمله، ويضع رأسه على وسادته لا يفكر في شيء سوى كيف يمكن له أن يحافظ على رزقه ويربي أولاده ويعلمهم ويؤمن لهم مستقبلهم، لولا أكسجين السلام الذي يستنشقه ليل نهار.
لا مستقبل إلا بالسلام ولا حياة إلا بالسلام ولا عمل ولا رقي ولا حضارة إلا بالأمن ونعيم السلام. إذًا، السلام جنة ومن يخرج منه فكأنما خرج من الجنة، لتكون الفرصة سانحة فتلتف حوله الأشباح وتشبعه خوفا ورعبا. كثيرون الذين يدعون الشجاعة والقوة والجسارة، ويتفننون بإظهار قدراتهم، ويتندرون على الضعاف المسالمين، لكنهم سيفقدون معنى شجاعتهم فيصبحوا ضعفاء مهزومين، مثلهم مثل أولئك الذين استقووا عليهم يوماً واستهزأوا بهم.
الحرب لا تبقي شيئا سوى الوهن والانكسار وضياع الحيلة، لذلك كان وما يزال وطننا الأردن الآمن، رسول السلام في كل مكان لأن حنكته ودرايته عميقة في الويلات التي تجرها الحروب على البشر، فالحمد لله على نعمة السلام والأمن التي يرفل بها مجتمعنا وبلدنا الغالي، فلنحافظ عليها ونعض عليها بالنواجذ، ونسد أي طريق أمام الخلاف والنزاع مهما كانت الأسباب.