الأقصى إذ يتحول إلى موقع أثري

اخطر ما يواجهه المسجد الأقصى هذه الأيام، تحويله من موقع ديني إلى موقع أثري، وهذا ما يتم يوميا على يد إسرائيل التي حولت الحرم إلى موقع يزوره عشرات آلاف السياح. وفقا لأرقام رسمية فإن عدد السياح الأجانب الذين زاروا الحرم القدسي، والمسجد الأقصى تحديدا، وصل إلى مائة ألف سائح، والكارثة ان الموقع فقد حرمته الدينية، بدخول السياح بلباسهم المعتاد، دون مراعاة لحرمة الموقع، هذا فوق التسجيلات والصور التي تسربت لبعض السياح، وهم يقبلون بعضهم البعض، في هذا الموقع، او يلتقطون صورا، بطريقة غير مناسبة، وربما فاضحة، بطريقة تقول ان هذا الموقع مجرد بناء حجري اثري قديم، مثله مثل اي آثار أخرى قديمة يزورها السياح من كل الدنيا. الاحتلال الاسرائيلي يخوض معركة بشأن الحرم القدسي، تارة عبر الاقتحامات، وتارة عبر صلاة المتطرفين، واحيانا عبر التهديد بالتقاسم الجغرافي او الزمني، ومرات عبر اغلاق المسجد، وصولا إلى الطريقة الجديدة، أي السعي لشطب هوية الموقع الدينية لصالح إحلال هوية جديدة، أي تحويل الحرم القدسي، إلى موقع اثري، فقط، يدخله السياح، دون اي معايير او شروط، وبحيث يتم التخفيف التدريجي من اشتراطات المكان، نحو إعادة انتاج هويته. كان السياح سابقا، يدخلون الحرم القدسي لكن بطريقة مختلفة، وعلينا ان نشير فقط إلى ان المسيحيين العرب والفلسطينيين، حين يزورون الحرم القدسي، فإن السيدات يستعملن غطاء الرأس، ويتصرفن بطريقة تراعي حرمة الموقع، كونهن يدركن ان هذا الموقع له خصوصيته الدينية، وهذا يعني ان مشكلتنا هي في السياح فقط، الذين يأتون إلى الموقع دون ان يمنعهم الإسرائيليون من هذه التصرفات، بل لربما يتعمدون ان تكون تصرفاتهم، على هذا الأساس، لتصنيع صورة اننا امام مبان اثرية، لا قيمة لها دينيا، ولا حساسيات. هذا الملف ليس عابرا ولا عاديا، لأننا لا نتحدث عن الشكليات فقط، بل نتحدث عن الدوافع والنتائج، أي مخطط تحويل الموقع الديني إلى موقع اثري سياحي، عبر اسقاط أي حرمة تتعلق بالموقع، ولهذا نريد تفسيرا منطقيا من الحكومة، حول هذا الملف حصرا، ليس من زاوية التصرفات وحسب، بل من زاوية تأثيرات السياحة، على هوية المكان وتحويلها إلى هوية جديدة بهذه الطريقة، بما يؤدي تدريجيا، إلى اضعاف الهوية الدينية، ومسها، بوسائل مختلفة، عبر ما يفعله اغلب السياح داخل الحرم القدسي. نحن ندرك حجم الضغط الذي يواجه الأردن، ويواجه الشعب الفلسطيني أيضا، لأن الاحتلال الاسرائيلي من جهته لا يأبه بكثير من اعتراضاتنا، بل يتعمد أصلا تحدي الأردن والفلسطينيين، وليس أدل على ذلك من رفض الاحتلال مشاريع ترميم واعمار قديمة، من بينها إقامة مئذنة خامسة داخل الحرم القدسي، وغير ذلك من مشاريع، في محاولة لإثبات ان السيادة هي للاحتلال، وليس لأي طرف آخر، وفي الوقت ذاته، لا يجوز امام هذا الضغط التراجع، خصوصا، حين تتزايد التصرفات الإسرائيلية التي تهدد الحرم القدسي، بكل ما تعنيه الكلمة. لقد نجح الاحتلال، بصرف انظار العرب والمسلمين عن الكارثة الاصلية، أي كارثة احتلال حيفا ويافا واللد والناصرة وبقية مناطق فلسطين، وحصرنا فقط في قضية القدس، التي على أهميتها، لا يجوز ان تلغي بقية الملفات الغائبة، وفي الوقت ذاته فإن التراجعات على صعيد قضية القدس، نراها بشكل واضح، حين تناسينا كل التغيرات الديموغرافية في المدينة، وسرقة الأرض، وعمليات التهويد، وصار كل همنا، ينحصر بحق الصلاة يوم الجمعة، والتباهي بالأرقام التي صلت هذه الجمعة، او الجمعة الأخيرة من رمضان. هذا تحذير من مخطط الاحتلال الاسرائيلي الجديد، أي شطب هوية المكان الدينية، وإعادة انتاج الموقع، باعتباره مجرد موقع اثري قديم سياحي يزوره السياح، مثله مثل أي بناء روماني، هذا مع الإقرار هنا، ان الاحتلال يوظف الحرم القدسي في برامجه السياحية، ولمصلحة شركاته في سياقات اسقاط الهوية وتذويبها تدريجيا.اضافة اعلان