الأقصى والدور الأردني: لماذا الآن؟

حسب الاخبار، من المتوقع ان يناقش الكنيست الاسرائيلي يوم الثلاثاء القادم مقترحا قدمه نائب رئيس الكنيست بسحب "السيادة" أو الولاية الاردنية عن المسجد الأقصى واستبدالها بإدارة اسرائيلية كاملة. هناك أشكال لا حصر لها من محاولات اسرائيلية لتهويد الأقصى ونزع الهوية الإسلامية والعربية عنه. اسرائيل تعرف تماما أن لا سيادة أردنية على الأقصى، وأن الدور الأردني لا يتعدى الإدارة التي نسميها الولاية الدينية، ولكن هذه هي المرة الأولى التي تُستهدف بها الولاية الأردنية للأماكن المقدسة بهذا الشكل، وبهذا المستوى منذ إعلان واشنطن اتفاقية وادي عربة قبل عقدين.

اضافة اعلان

أمامنا ثلاثة سيناريوهات تفسيرية لهذا التطور، حيث تبدو أهمية  متابعة هذا الاتجاه من تنامي المؤيدين وسط البرلمانيين الاسرائيليين لهذا المطلب الذي قد يتحول الى مطلب يتجاوز اليمين الاسرائيلي المتطرف. السيناريو الأول؛ أنها خطوة استباقية لضغوط تمارس على اسرائيل في إطار مستقبل إدارة المدينة القديمة في ضوء ترتيبات الحل النهائي؛ حيث تطرح أفكار متعددة منها السيادة المشتركة أو السيادة الدولية أو اللاسيادة مع إدارة لطرف ثالث. السيناريو الثاني؛ هجوم مقابل لقطع الطريق على أي مساعٍ أردنية أو ترتيبات مكملة لاتفاق الولاية الذي وقع مؤخرا مع السلطة الفلسطينية، وخوّل الملك عبدالله الولاية على القدس. أما السيناريو الثالث والاخطر فهو أن يكون هذا التطور لا علاقة له بترتيبات التسوية ولا خطة كيري لا من بعيد ولا من قريب، بل استجابة للعمل الصهيوني الممنهج بالسيطرة والضم التدريجي الذي يستهدف القدس وباقي الأراضي الفلسطينية. 

 ملف القدس أصعب بكثير من ملفات اللاجئين والمستوطنات والحدود، ويحتمل مسائل أكثر تعقيدا؛ منها الانتقال من فكرة السيادة إلى مبدأ الإدارة، بمعنى أن تطالب اسرائيل باستمرار سيادتها القائمة فعليا على الأماكن المقدسة والاعتراف بها مع السماح بوجود إدارة طرف ثالث، ومن هنا تبدو أهمية الالتفات إلى حجم خطورة مسّ حصرية الولاية الدينية التي تسبَغ على الأردن، وهي عمليا إدارة المواقع الدينية تحت السيادة الاسرائيلية. إن المس بهذه الحصرية من الفاتيكان أو أي طرف آخر سيفتح المجال لتعدد الوصاية، وسيشكل مدخلاً خطيراً لتهديد الأماكن المقدسة ولمساعي إسرائيل في تقاسم الأقصى.

 مناقشات الكنيست القادمة ستكون بمثابة الجرس لانطلاق معركة سياسية وقانونية قاسية، والكل يعد العدة لها، إما بالحشد السياسي أو بتغيير الوقائع على الأرض وهو الأخطر، حيث تتصاعد عملية تهويد القدس الشرقية والمسجد الأقصى خلال السنوات الخمس الأخيرة بوتيرة عالية غير مسبوقة، وتستمر عملية الصعود السياسي والقضائي والإعلامي لفكرة المعبد في المنظومة السياسية الإسرائيلية، وبعد أن كان مؤيدو الفكرة مجرد أقلية في مطلع تسعينيات القرن الماضي أصبحوا اليوم قوة سياسية تسهم في تشكيل الحكومات، فيما تزداد المخاطر التي تهدد الهوية الديمغرافية للمدينة من خلال سياسات التهجير الجماعي والإبعاد والاعتقال، إلى جانب صعوبة الظروف الاقتصادية للمقدسيين وتزايد نسب الفقر في أوساطهم، حيث تجاوزت نسبة الأسر تحت خط الفقر 77 % من الأسر المقدسية. أردنيا علينا أن نعرف بوضوح وتماما ماذا نريد أن نصل إليه من ملف القدس، وما هي حدود مسؤوليتنا الدينية والقومية والأخلاقية.