الأمن الغذائي وأزمة "كورونا"

محمد البشير*

عمان-الأمن الغذائي هدف استراتيجي تسعى اليه الدول افراداً ومجموعات، الا انه كباقي عناوين ذات علاقة بالاستقلال الوطني، التنمية المستقلة، الحرية الاقتصادية، حصة الزراعة من الناتج المحلي الاجمالي وغيرها الكثير، تم العبث بها بحيث بقيت شعارات نظرية ادت الى اختلالات جوهرية في الاقتصاد .اضافة اعلان
جمعتني مع الدكتور عاكف الزعبي وزير الزراعة الاسبق ندوة حول الزراعة والازمات المالية بتنظيم من نقابة المهندسين الزراعيين/فرع الرمثا حيث عكس بكل شفافية تجربته وعمله الدؤوب من أجل حصة أكبر من الناتج المحلي الاجمالي لقطاع الزراعة، واهمية السياسات الزراعية في انتاج زراعي يساهم في الحد من الاستيراد من جهة، وتحقيق معدل اعلى في التصدير للمنتجات الزراعية بما يحقق انتاجاً اكبر، للمساهمة في تحصين ميزان المدفوعات من جهة اخرى .
ان الزراعة في الأردن تعرضت لتحديات داخلية واخرى خارجية وما زالت، مما ساهم في تواضع الانتاج، وتراجع حصتها من الناتج المحلي الاجمالي عبر العقود الثلاث الماضية على وجه التحديد.
على صعيد العالم تعرض الأمن الغذائي الى تحديات جمة، شأنه في ذلك شأن العديد من مفاصل الاقتصاد من حيث الأمراض المتعلقة بتغول رأس المال، عبر السياسات المالية والاقتصادية التي ساهمت في ارتفاع كلف الغذاء بشكل عام على الناس، فاللجوء الى انتاج الوقود الحيوي بسبب ارتفاع كلف الطاقة التقليدية في ظل غياب دور حكومي في رعاية الزراعة بشكل عام باستثناء دعم بعض حاجات القطاع الزراعي ومشتقاته المختلفة بمبالغ معينة من قبل الدول الكبرى، الذي أدى إلى زراعة مساحات واسعة من الأراضي لانتاج الذرة، قصب السكر، سمسم، كتان…..الخ التي منها ينتج الوقود الحيوي، مما قلص من المساحات المتخصصة لزراعة حاجات البشر من المواد الزراعية والغذائية على وجه الخصوص، إذ ساهمت هذه السياسة في تدني الانتاج، انخفاض أجور العاملين بالقطاع الزراعي الذي أدى إلى هجرة كبيرة للعاملين به الى المدن بحثا عن الوظائف الادارية، حيث انخفض عدد العاملين او المستثمرين في القطاع الزراعي، مضافاً الى ذلك عودة الاقطاع الزراعي على شكل شركات زراعية ضخمة، غايتها بالدرجة الرئيسية تحقيق اكبر عائد على الاستثمار الزراعي.
لقد شهد القطاع الزراعي شراكة ضخمة ما بين عمالقة النفط والغذاء والسيارات والهندسة الوراثية، حيث أجرت هذه الشراكة سلسلة من البحوث أدت الى وضع انتاج وتصنيع وتوزيع الغذاء والوقود تحت سقف واحد، كما ان معدلات الزيادة في السكان كانت الاعلى دائماً عن الزيادة في كمية المنتجات الزراعية خلال العقود الاربع الماضية من عمر البشرية، مما ادى الى ارتفاع اسعار السلع الغذائية، حيث الطلب عليها كان أكبر من انتاجها، ومما زاد من الطين بلة ان دول العالم الثالث التي انضمت الى منظمة التجارة العالمية، ارتفعت تكاليف المنتجات الزراعية لديها بسبب الضرائب، أسعار الطاقة بالإضافة الى كلف التمويل، مما حدَّ من قدرتها على منافسة السلع الزراعية الاجنبية المدعومة من الحكومات الرأسمالية بمليارات الدولارات، والذي الحق ضرراً كبير في القطاع الزراعي لدى دول العالم الثالث عموماً والدول العربية على وجه الخصوص، حيث تراجعت حصة القطاع الزراعي من الناتج المحلي الاجمالي التي لم تتجاوز الـ (6 %).
ان الحكومات العربية وبعد تخليها عن الاستثمار في القطاع الزراعي، اصبح الاستثمار فيه متواضعاً، استجابة الى توجيهات البنك والنقد الدوليين التي ركزت على الاستثمار في المشاريع الانشائية والخدمية على وجه الخصوص، ومع انضمام غالبية الدول العربية الى منظمة التجارة العالمية والتي فتحت الأسواق العربية أمام المنتجات الغذائية العالمية، فقد تراجعت حصة القطاع الزراعي من أي استثمارات جديدة، مترافقاً ذلك مع غياب التشريعات الحامية للارض الزراعية، حيث زحف العمران عليها، بعد ان هجرها العدد الاكبر من المشتغلين بها.
ان وقفة جادة لما بعد كورونا تستوجب من صناع السياسة، ان يعاد لهذا القطاع الثقة به، وتعزيز دوره الى جانب القطاع الصناعي في الاقتصاد الوطني، اللذان بهما يمكن ان نحسن من معدلات النمو، تقليص الفجوة الكبيرة في الميزان التجاري، وتخفيض معدل البطالة الذي اصبح مشكلة تهدد الامن الوطني العربي وانعكاساته الاجتماعية الخطيرة على المجتمع.
*باحث اقتصادي