الأمن الغذائي والتمويل بعقد السلم (2-2)

غسان الطالب*
استكمالا لمقالتنا السابقة في الحديث عن الدور الذي يمكن أن تؤديه المصارف الإسلامية في تقليص فجوة الغذاء العربي لتوفير الأمن الغذائي لبلداننا، فقد اعتمدنا على طرحنا هذا لكون المصارف الإسلامية تتميز بتنوع أدواتها المالية والاستثمارية، حتى صح القول فيها بأنها مصارف شمولية تغطي أوجه الاستثمار وحاجاته التمويلية في الاقتصادات الوطنية على عكس ما هو موجود في البنوك التقليدية التي أخذت أشكالا متعددة ومسميات مختلفة حسب النشاط التمويلي الذي تؤديه مثل بنوك عقارية، صناعية، ادخارية، إسكان، تجارية وهكذا... لهذا فإن تنوع الأدوات المالية الإسلامية ووظائفها التمويلية عمل على تنوع فرص الاستثمار للمصرف وحسب حاجات القطاعات الاقتصادية المختلفة مثل المضاربة والمشاركة؛ حيث تعدان أداتي تمويل طويلتي ومتوسطتي الأجل.اضافة اعلان
وتمثل المرابحة تمويلا قصير الأجل تغطي عادة قطاع التجارة المحلية والخارجية، وهناك بقية العقود مثل عقد السلم، عقد الاستصناع، عقد المزارعة وعقد المساقاة، وأخيرا برزت الصكوك كأداة تمويل أخذت أشكالا عدة حسب الأدوات المذكورة سابقا؛ حيث اعتبرت كأداة تمويل يمكن لها أن تغطي الاحتياجات التمويلية كافة التي تحتاجها القطاعات الاقتصادية المختلفة، لكن المتتبع للنشاطات التمويلية في المصارف الإسلامية يلاحظ التركيز من قبل هذه المصارف على التمويل قصير الأجل لانخفاض درجة المخاطرة فيه أولا وثانيا لعودة رأس المال المُستثمر للدوران بزمن أقل، مع ذلك يسجل للصناعة المصرفية الإسلامية سرعة نموها وانتشارها الواسع مع قناعتنا الكاملة بأنها ما تزال تمتلك من الإمكانيات التي تسمح لها التركيز على أدوات تمويل فاعلة وذات عائد اقتصادي واجتماعي ينعكس على الاقتصاد الوطني وينسجم مع وظيفتها التمويلية الشمولية مثل عقد المزارعة وعقد المساقاة، صحيح أن مثل هذين العقدين يتصفان بدرجة مخاطرة عالية، لكن وبكل تأكيد إذا أُحسن استخدامهما، فإن العائد سيكون كذلك مرتفعا ومجديا.
مناسبة هذا الكلام هي أن بلداننا العربية والإسلامية تعد بأمس الحاجة إلى الأمن الغذائي، خصوصا مع سعي العديد من دول العالم المُتنفذة إلى احتكار إنتاج وصناعة الغذاء في الوقت الذي يُهمش فيه قطاع الزراعة ولا يحظى بأدنى الاهتمام التمويلي، ونحن نمتلك الأراضي الزراعية الشاسعة والخصبة إضافة إلى استصلاح الأراضي المعرضة للزحف الصحراوي، وحتى الصحراء يمكن الاستفادة منها عندما تتوفر الإمكانيات المادية والتمويلية.
إن قرار الاستثمار في أي قطاع لا بد وأن يخضع لاعتبارات وحسابات الربح والخسارة ودراسات الجدوى؛ فعلى المدى القصير قد يبدو أن هذا المطلب غير مجد، لكن على المدى الطويل سيكون من أفضل قطاعات الاستثمار على الصعيد المادي وأكثرها عائدا لأن الاستهلاك لن يتوقف وأعداد السكان في تزايد، بمعنى أن الطلب على الغذاء يسير في منحنى تصاعدي وهذا منطق الأمور، لكن يبقى لأي قرار استثماري مسؤول أيضا اعتبارات اجتماعية وأخلاقية ينظر له من جوانب اقتصادية وسياسة تسهم جميعها في تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي وتبعدنا عن أسواق الاحتكار وأحيانا الابتزاز.
إن رؤوس الأموال العربية سواء المهاجرة أو المستقرة والتي تبحث عن فرص الاستثمار إضافة إلى السيولة المتوفرة لدى المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية إذا أجمعت على تحقيق هذا الهدف فسوف نحقق المعجزة الاقتصادية المرجوة وستكون كذلك نقلة نوعية في تفكيرنا الاستثماري وستعمل كذلك على فتح منافذ استثمارية جديدة في الصناعات الغذائية ومستلزمات قطاع الزراعة وقطاع الخدمات المرافق لهذا القطاع، ولتحقيق ذلك فإننا نقترح ما يلي:
- إنشاء أو المساهمة في تأسيس شركات متخصصة للاستثمار في قطاع الزراعة وملحقاته الخدمية والصناعية.
- عمل دراسات متخصصة في أنواع الزراعة الملائمة للتربة والمناخ في كل بلد يرغب في الاستثمار في هذا القطاع.
- الاهتمام بتقديم التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة العاملة في قطاع الزراعة أو الصناعات الغذائية.
- العمل على تطوير البنية التحتية في المناطق الزراعية المستهدفة بالاستثمار كي لا يكون عائقا أو مبررا لقرار الاستثمار.
يبقى السؤال الأهم: هل مصارفنا الإسلامية مستعدة للأخذ بزمام المبادرة؟ إننا على يقين وثقة بقدراتها وبما تمتلكه من محفزات أخلاقية ومادية تؤهلها لتحقيق طموح شعوبنا.

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي