الأمن لحرَم "الأردنية"..!

من المؤسف أن تضطر الجامعة الأردنية إلى الإعلان عن إجراءات أمنية مشددة اليوم، حتى تتمكن من إقامة انتخاباتها الطلابية. وبدل أن تكون الانتخابات الطلابية تجلياً مشرقاً لوعي شبابنا المتقدم بأهمية الديمقراطية واحتفاء بممارستها، أصبح هذا اليوم عرضاً مكثفاً لعكس ذلك. وأين؟ في الجامعة الأردنية، التي شكلت دائماً واجهة الأردن العلمية والمتنورة، وخرَّجت طلائع متعلميه ومثقفيه!اضافة اعلان
هذا هو عمل القطاعات التي تمارس أفظع أنواع التخريب بحق وطنها ومؤسساته ومستقبله. ولا بد أن يذكّرنا استخدام أجهزة التفتيش الجسدي على أبواب "الأردنية" لاكتشاف أدوات الإيذاء والقتل والمتسللين، بالإجراءات الأمنية عند أبواب الفنادق والمولات لمكافحة الإرهاب واكتشاف الإرهابيين. وليست الصلة مقطوعة في الحقيقة جوهراً وموضوعاً: فالأشخاص الذين يتقصدون التسلل إلى الجامعات في أيام الانتخابات بقصد تدمير ممتلكاتها، واستخدام العنف والأسلحة البيضاء والحمراء لإيذاء طلبتها، لا يفترقون عن الإرهابيين في شيء. إنهم يستهدفون واحدة من أهم مؤسسات بلدهم ومصدر فخره الوطني بالتخريب ونزع الأمن وتشويه السمعة، ويلحقون أذى جسدياً قد يصل إلى القتل بمواطنيهم من الطلبة الذين قد يسقط بعضهم بلا ذنب كخسائر جانبية. فما الإرهاب وأدواته ونتائجه إلا هذا؟
وليت الاختلاف في انتخابات الطلبة يرتكز على الأيديولوجيا وتفاوض الأفكار، إذن لأشّر على تمتع الأطراف بنظرة عالمية –أو حتى محلية. لكنه غالباً خلاف عصبويات وفئويات مقود فقط بسلوك القطيع. وكانت الاختلافات الأيديولوجية في أيام سابقةٍ مجيدة في حرم الجامعات مدعاة لتنافس مستنير وسلمي، مهما اختلفت وجهات النظر. وباستثناء الأيديولوجيات المنطوية أصلاً على فكرة الإقصاء والتطرف، الجديدة نسبياً على مجتمعنا، كانت انتماءات الطلبة الفكرية سابقاً تعلمهم احترام التعددية وكراهية العنف والإيمان بمصلحة الكل.
لا تنفصل هذه الأعراض في الجامعات، حتماً، عن مجموعة العوامل التي أنتجت اتجاهات العنف والتطرف في المجتمع. ويعكس الفشل في وقف هذه الاتجاهات في الجامعات اتجاهاً انحدارياً على مستوى المجتمع الأوسع. وإذا كانت كل المحاولات حتى الآن قد ألجأت الجامعات إلى تبني الحل الأمني للجم العنف المرجح في يوم الانتخابات، فإن ذلك يعني أن عمل السنوات الأخيرة لم يتمكن من ردع المنطوين على نية التخريب، ولا من تغيير نظرتهم إلى مؤسساتهم التعليمية أو هيئاتهم الطلابية المنتخبة. وبذلك لم تبق إلا العصا.
وهكذا، في حين كان مفهوم "الحرم الجامعي" يعني، في ما يعني، إبعاد قوى الأمن ومظاهر القوة والتخويف لصيانة استقلال الجامعات وجعلها فضاءات مفتوحة لتفاوض الأفكار وممارسة الحرية، أصبحَت الجامعات تستنجد الآن بعرض القوة والسطوة الأمنية كإجراء تطميني، في تناقض مع كل مظهر تقدمي للجامعات كمصانع للفكر والممارسات المتنورة والحرة.
نأمل أن تتمكن الخطة الأمنية الشاملة التي وضعتها "الأردنية" من تمرير يوم الانتخابات على خير. لكن ذلك لن يعني أننا غيّرنا جوهر الطلبة الذين يودون لو استطاعوا استدعاء جيوشهم للاعتداء على زملائهم وتخريب المظهر الديمقراطي في جامعتهم. وفي الحقيقية، لم يستطع إعلان "الأردنية" منع الشعارات "التي تشجع على الكراهية" أن يمنع الشعارات الفئوية والعصبوية، ولا أن يسقط العدوانية من رؤوس الذين يسترشدون بهذه الشعارات وينقادون إليها. وهناك يافطات مرفوعة في محيط الجامعة تحمل عبارات "أبناء عشائر (كذا) في الجامعة الأردنية يؤيدون (القائمة الفلانية)؛ و"تجمع قبيلة (كذا) يدعم أبنائه (خطأ القواعد من اليافطة) في الجامعة الأردنية"؛ و"(مدينة كذا) إذا زأرت لبت أسودها"! ما شاء الله! ما علاقة هذا بخدمة مصالح الطلبة؟!
إذا بدت أعداد الطلبة الذين يفتعلون العنف في الجامعات والعصابات التي تساعدهم من الخارج قليلة نسبياً بالقياس إلى العدد الكلي لطلابنا، فإن هذه الأعداد كبيرة بما يكفي لتحويل يوم انتخابات جامعي إلى مناسبة للاستنفار والطوارئ ووضع الخطط الأمنية وإقلاق البلد. ومن المفارقات أن هذه الفئة طاردة، تجعل أبناءنا الطلبة المسالمين والعاقلين يتعمدون الغياب عن الجامعة وحرمان أنفسهم من المشاركة في يوم الانتخابات، نتيجة خوفهم المحق من التعرض للعنف والإيذاء.
هذا المظهر المريع في جامعتنا الوطنية يدعو إلى منتهى الجدية في تعقب الأسباب والوجهات. ولا تنقصنا الاقتراحات والتحليلات المستنيرة في هذا الشأن الاستراتيجي. وكبداية، يجب تطهير الجامعات من الفئويين والمخربين الذين يتقمصون مظهر الطلبة، بينما أماكنهم الطبيعية هي مراكز الإصلاح وعلاج الخلل العقلي.