الأميركي" المحبوب" والبريطاني" المكروه"

لا ينافس السفير الأميركي في عمان ستيوارت جونز، على الحضور الإعلامي، سوى السفير البريطاني بيتر ميليت. ليس لأنهما الأكثر نشاطا وحركة بين السفراء الغربيين فحسب، بل لأن وسائل الإعلام الأردنية تأخذ في الاعتبار المكانة الخاصة لعلاقة بلديهما مع الأردن؛ الولايات المتحدة الحليف الأكبر للأردن والداعم الرئيس لموازنته، وبريطانيا صاحبة تاريخ خاص بالنسبة للأردن.اضافة اعلان
يحظى السفيران، جونز وميليت، بشبكة علاقات واسعة مع النخب الأردنية، ويطرق الساسة والنشطاء بابيهما أحيانا أكثر منهما. ولا يمر أسبوع من دون أن يتلقى أحدهما دعوة لتناول المنسف في ضيافة شخصيات أردنية، يعتقد بعضها أن التقرب من السفير الأميركي أو البريطاني سيمنحها أهمية عند أصحاب القرار في الدولة.
أول من أمس، كان السفير الأميركي يشارك أهالي بلدة خرجا في محافظة إربد "الدبكة"، في احتفال بافتتاح مدرسة شُيّدت من أموال المساعدات الأميركية. ويبدو السفير الأميركي أكثر حرصا من سفراء واشنطن السابقين على حضور افتتاح المشاريع التنموية والمرافق الخدمية التي تمولها بلاده، في مسعى منه لتحسين صورة الولايات المتحدة لدى جمهور محتقن من سياساتها التاريخية في المنطقة، وانحيازها الدائم لإسرائيل.
بريطانيا تواجه نفس التحدي، وإن بدرجة أقل. لكن سفيرها لا يملك القدرة لفعل الشيء ذاته، لأن حجم المساعدات البريطانية للأردن أقل بكثير من المساعدات الأميركية. ومع ذلك، فإن ميليت، مثل جونز، يجوب مناطق في البلاد، ويُظهر اهتماما بالشأن العام الأردني يفوق اهتمام نظيره الأميركي؛ فهو ينشر مقالات دورية في "الغد" تتناول قضايا أردنية وعلاقات بلاده مع الأردن، ولا يبخل في تقديم نصائح في شؤون عديدة. وعلى موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" يغرد باستمرار، وتتلقف المواقع الإخبارية تغريداته باهتمام بالغ.
لكن منذ توليه منصبه قبل أكثر من ثلاث سنوات، كان المسؤولون الأردنيون يشعرون بالضيق، وأحيانا بالغضب من تصريحات ميليت، وما يدعونها انتقادات لعملية الإصلاح الجارية في البلاد. وزاد من تذمرهم اللقاءات التي كان يجريها ميليت مع نشطاء الحراك الشعبي في المحافظات، ومع الإسلاميين، ولاحقا ما نُسب إليه من تحفظات سجلها على قانون الانتخاب.
على العموم، كانت السلطات الحكومية تصف تحركات ميليت بأنها مخالفة للعرف الدبلوماسي، وتدخل في الشأن الداخلي الأردني. لكن هذه الشكاوى لم تدفع ميليت إلى التواري خلف أسوار السفارة البريطانية؛ فقد حافظ على نشاطه بنفس الوتيرة، لكنه صار أكثر حرصا على عدم استفزاز دوائر الدولة. وتعمّد في أكثر من مناسبة كيل المديح للأردن ودوره في المنطقة، ودعم في السر جهود وخطط حكومة د. عبدالله النسور في مجال التصحيح الاقتصادي.
رغم ذلك، ظل السفير البريطاني شخصا غير مرغوب فيه في عمان. وكم تمنت الجهات الرسمية رحيله في أقرب فرصة، خلافا لسفير واشنطن الحالي الذي يُنظر إلى دوره بكثير من التقدير في أوساط المسؤولين، خاصة دعمه العلني لخطط الإصلاح السياسي في الأردن، والذي جلب له انتقادات المعارضة الأردنية في أكثر من مناسبة.
جونز في نظر المسؤولين، كان قليل الخبرة في الشأن الأردني عند تسلمه المنصب، وأقل حيوية من سابقيه. لكن مع مرور الوقت، أصبح أكثر فهما لظروف الأردن ومتاعبه السياسية والاقتصادية، وساهم على نحو فعال في دعم مطالب الأردن عند أصحاب القرار في الإدارة الأميركية والكونغرس، وزيادة قيمة المساعدات السنوية، إضافة إلى المساعدات الطارئة بعد نزوح ما يزيد على نصف مليون لاجئ سوري إلى الأردن.
ولهذه الاعتبارات، فإن المسؤولين لا يترددون في التصفيق الحار للسفير الأميركي وهو "يدبك". أما نظيره "الغلباوي"، بيتر ميليت، فلن يحظى بمجاملة أحد، حتى لو هز خصره في الساحة الهاشمية.

[email protected]

fahed_khitan@