الأمير تركي: الأردن يقف مع السعودية في أي توجه

الأمير تركي بن طلال بن عبد العزيز-(أرشيفية)
الأمير تركي بن طلال بن عبد العزيز-(أرشيفية)

حاورته: تغريد الرشق

عمان - عبّر سمو الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز عن عدم تفاجُئه بتصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخيرة، التي انتقد فيها حليفته المملكة العربية السعودية، معتبرا أن "سياسة أميركا باتجاه السعودية تسير بهذا الاتجاه في الفترة الأخيرة". فيما أشار إلى رفضه لتلك التصريحات.
وفي حوار خاص، أجرته معه "الغد" الأسبوع الماضي، خلال تواجده في عمّان للمشاركة في مؤتمر "اللاجئون والأمن والتنمية المستدامة في الشرق الأوسط"، وصف الأمير السعودي موقف الأردن، بالذي "لا يحسد عليه"، وذلك تعليقا على التجاذبات التي يتعرض لها الأردن. وفيما اعتبر أن الموقف الأردني مع "الإجماع العربي عامة، ومع موقف المملكة العربية السعودية خاصة في أي توجه"، أكد أن الأردن "لا بد أن يراعي الوضع الجيوسياسي حوله"، وأنه كلما عرف كيف يحقق التوازن بين الطرفين، أصبح في حالة استقرار.
وأكد "وجود تفهم من قبل السعودية لهذا التوازن المنشود".
وبخصوص الانسحاب الروسي من سورية، رأى الأمير تركي، الذي يحمل رتبة عميد طيار في القوات المسلحة السعودية، والذي يقود مبادرة خاصة بالعمل الإنساني الإغاثي، أن "الدخول الروسي لسورية مريب.. والخروج كذلك مفاجئ"، واعتبر أن كل ما يجري يطرح علامة استفهام، نظرا لأن الحرب لم تنته.
ولم يبد تفاؤلا بمفاوضات جنيف لحل الأزمة السورية، "فالأمور غير واضحة والأوضاع متداخلة على الأرض".
ودافع الأمير عن سياسات بلاده، معتبرا أنها تأتي من "منطلق دفاعي"، وأخذ من اليمن مثالا على ذلك، قائلا إن السعودية "لم يكن يسعدها أن تشن حرباً على فئة بعينها على الأراضي اليمنية، لكنها عندما تواردت معلومات مؤكدة، أن عصابة في اليمن، لم تستول على الحكم وتخلع الشرعية في اليمن فقط، بل أعدت العدة وحشدت الحشود للاعتداء على بلادي، فإن أي عمل عسكري أو سياسي باتجاه هذه الفئة، هو من منطلق الدفاع عن النفس".
وشدد على أن الهدف الأساسي للمملكة العربية السعودية في اليمن هو تطبيق القرار الدولي بخصوص اليمن والمبادرة الخليجية والتوافقات اليمنية الداخلية.
وتاليا نص الحوار:

اضافة اعلان

* تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخيرة في مجلة "أتلانتك"، انتقد فيها بعض مواقف المملكة العربية السعودية، بخصوص إيران وأمور أخرى، وثمة حملة سعودية إعلامية الآن ضد أوباما، تقول إنه ينسى حلفاءه ويتحالف مع إيران، ما رأيك بما قاله أوباما عن السعودية؟
- أنا لم أفاجأ به بصراحة، لأن سياسة أميركا تجاه المملكة في الفترة الأخيرة هي ضمن هذا الاتجاه. ربما هو أعلنها  الآن لاقتراب نهاية فترة حكمه. ربما يريد إعلان الأمور بشكل واضح. وأنا لا أفهم قصة أنه لا بد من أن تجلس السعودية مع إيران، ويتفقا مع بعضهما البعض! أنت يا رئيس أميركا، الذي تثني دائما على سياسة المملكة، ودورها في استقرار المنطقة، وأنت الذي وضعت حزب الله "الإيراني" ضمن قائمة الإرهاب، كيف تقول للمعتدي وللمعتدى عليه اجلسا وتفاهما؟!، هذه غريبة بعض الشيء. أميركا مفروض أنها الدولة العادلة، التي تطرح الأمور بشكل عادل، لذا استغرب هذه التصريحات.

* أنت ترفض هذه الاتهامات؟
- نعم أرفضها، فأنا لا أفهم أين ذهبت الصداقة التي تربط بين الطرفين. هناك تفاهم بيننا وبينك (أوباما). ووزير الخارجية الأميركي كان قبل فترة قريبة في المملكة، وقبلها بفترة كان الرئيس نفسه، أهكذا يعامل الأصدقاء؟! إذا كانت هذه معاملة الأصدقاء، فكيف إذا أصبحت أميركا عدوا لأحد، فماذا ستفعل حينها؟

*بشكل عام، ما رأيكم بموقف روسيا من الأزمة السورية؟  
- لديك معتدي ومعتدى عليه، من يقف مع المعتدي فهو مخطئ، أيا كان. موقف روسيا مع المعتدي يثير استغرابي، ويثير امتعاض كل إنسان لديه عقل.

* كيف ترى المفاوضات حاليا، ماذا تتوقع بعد إعلان روسيا انسحابها من سورية؟
- لا أعرف، لأني لا أدري إن كان الانسحاب سيتم أم لا، هل هو جزئي أم كلي؟ فبالتالي لا أستطيع أن أقرر كيف سينعكس ذلك على المفاوضات. لكن إذا كان الانسحاب كليا، فهذا أيضا يثير استغرابي، فما الذي حققته روسيا من تدخلها؟ إذا كانت تقصد ضمان انتقال سلمي للحكم، المفروض أن تتأكد أن الاتفاق قد وقع، والوصول لمرحلة معينة، حيث أنّ الحرب لم تنته بعد. بالتالي الدخول الروسي مريب وخروجه مفاجئ، وإن تم فهو مريب، لأنه لا اتفاق على شيء لغاية الآن. كل ما يجري يطرح علامة استفهام.

* ما رأيك بموقف الأردن من الأزمة السورية، هناك حديث عن تجاذبات لدفع الأردن باتجاهات معينة، ولكنه بقي على موقفه الوسطي؟
- كل الناس يدركون أن الأردن في موقف لا يحسد عليه. لا أشك أن الموقف الأردني مع الإجماع العربي عامة، ومع موقف المملكة العربية السعودية خاصة، في أي توجه، سواء كان في موضوع سورية أو غيره، لكن بنفس الوقت أعرف أن الأردن لا بد أن يراعي الوضع الجيوسياسي حوله، وعبر تاريخه، وكلما عرف كيف يحقق التوازن بين الطرفين أصبح في حالة استقرار، وأتصور وجود تفهم من قبل السعودية لهذا التوازن المنشود.

* ما هي المساعدات التي قدمتها السعودية للأردن فيما يخص اللاجئين السوريين أو بشكل عام؟
- لا أريد أن أعدد أمرا ليس من اختصاصي، إنما وفق ما ورد في تقرير لصندوق النقد الدولي، فإن السعودية خصصت للأردن خلال الفترة من كانون الأول (يناير) 2011 وحتى نيسان (ابريل) 2014 مساعدات، بحوالي 3 مليارات دولار، تسلم منها حوالي 1.9 مليار. وفي موضع آخر ذكر التقرير أنّ المساعدات السعودية للأردن تمثل 8.1 % من إجمالي الناتج المحلي الأردني.
أمّا عن حجم المساعدات المقدمة من المملكة في الشأن السوري، فقد بلغت تقريباً 700 مليون دولار، مخصصة لمساعدات اللاجئين السوريين، في أماكن تواجدهم في الدول المجاورة ومنها الأردن، وفق مؤتمر المانحين في آذار (مارس) 2015.

* ماذا تتوقع بخصوص مباحثات جنيف؟
- الأمور غير واضحة، أي مفاوضات تعكس الوضع على الأرض، وهذا الوضع الآن متداخل وغير محسوم، هذا سيؤثر على طاولة المفاوضات، كنت أتمنى أن أقول كلاما أفضل وأكثر تفاؤلا، لكن هذا هو الحال.

* لكن الهدنة على الأرض ما تزال قائمة، رغم وجود بعض الاختراقات؟
-الهدنة تعني هدنة، ولا تعني وقف إطلاق نار. الهدنة تعني إدخال مساعدات، ويمكن أن يكون هناك إرهاق لدى الطرفين. إعادة تجميع قوات، إعادة بناء تحالفات. لكن وقف إطلاق النار هو عادة مرحلة تسبق الاتفاق، ولم نصل بعد لهذه المرحلة. الصورة ما تزال غامضة. هل ستتحول الهدنة إلى خطوط وقف إطلاق نار؟ وإن تحولت، فهذا معناه أن كل طرف يمسك بالأرض، التي هي عند هذا الخط، هل سينعكس هذا على المفاوضات؟ هل سيبقى كل طرف مسيطرا على منطقة معينة؟ إذا كيف ستكون سورية الجديدة؟ هل ببقاء أطراف هنا وأخرى هناك؟!
* ما تأثير تدني أسعار النفط على السعودية؟
- تأثير انخفاض أسعار الطاقة بصفة عامة يقع على كل الدول المصدرة للنفط، السؤال هل يوجد بدائل لهذا التأثير أم لا؟ إذا كانت الإجابة بلا، فأنت في مشكلة، أما إذا كانت بنعم فيوجد بدائل، ويمكن التصرف على أساسها، فيصبح الطريق أكثر وضوحا.

*ما هي البدائل؟
- مثل أي مكان في العالم، تخفيض النفقات وزيادة الإيرادات. كيف تحقق تخفيض النفقات بدون التأثير على البنية التحتية، وكيف تزيد من الإيرادات دون التأثير ورفع التكلفة على الشعب، كما يحصل في الأردن وأماكن أخرى، إذا استطعت عمل الأمرين، بشكل أو بآخر، فسيخفض ذلك اعتمادك على النفط، وهذا حاصل الآن، بحسب ما أرى، تخفيض كافة النفقات غير الإنتاجية، أي شيء استهلاكي. مشاريع كبيرة لم يمض عليها سوى عام مثلا، يصار إلى تأجيلها، ليس وقتها الآن. بالنسبة للإيرادات تم عمل مجموعة من الإجراءات، التي يمكن أن ترفع الدخل القومي بنسبة معقولة تعوّض النقص الحاصل من انخفاض أسعار الطاقة.

* تقارير ومحللون يعتبرون أن بعض السياسات السعودية تجاه ما يحصل في المنطقة، قد تضطرها لدفع ثمنها اقتصاديا؟
- مثل ماذا هذه السياسات؟

* مثل تحالف إعادة الشرعية في اليمن وسورية، وغيرها من الملفات؟
- الموضوع هنا يحتاج لتوضيح. هل هناك أي تصرف عدائي تقوم به المملكة حاليا؟ أم هو تصرف دفاعي؟ إذا كانت تصرفات المملكة الهدف منها هو الاعتداء، فأنا مع الاستنتاج بأن السياسة التي تسير بها المملكة قد تؤدي إلى أزمة، لكن إذا كانت السياسات التي تقوم بها المملكة هي من منطلق دفاعي، فالتقييم يختلف 180 درجة. نأخذ اليمن على سبيل المثال، هل كانت السعودية ترغب أو تنوي أو يسعدها أن تشن حرباً على فئة بعينها في اليمن، أؤكد لك أن هذا أمر غير وارد أصلاً في الذهنية السعودية على مر التاريخ، لكن عندما تواردت معلومات مؤكدة، ان مجموعة، بل عصابة في اليمن، اختطفت اليمن كله، بالتعاون مع رئيس سابق، وقفت معه المملكة مواقف متعددة، ودولة داعمة من وراء هذه المجموعة، أعدوا العدة للاعتداء على المملكة، فهم لم يستولوا على الحكم في اليمن وخلعوا الحكومة الشرعية فقط، بل حشدوا الحشود للاعتداء على بلادي.
فأي عمل عسكري أو سياسي باتجاه هذه الفئة، اعتبره، بل يعتبره أي عاقل، دفاعا عن النفس، وبالتالي بموجب القانون الدولي، وبرأيي هذا أمر مشروع، أنا أخذت اليمن كمثال.

* بمناسبة الحديث عن اليمن، هناك هدوء حاليا، هل تعتقد أنه سيستمر، وهل هناك آفاق لحل سياسي؟
- لا يوجد هدوء في اليمن، كان هناك تبادل أسرى، ونأمل أن يكون الهدف هو التهدئة. لا أتصور أن الحرب وصلت إلى نهاية أو حسم. هي يتخللها دائما رغبة من كل طرف بأن يتحاور، الإخوان في الجانب اليمني كانوا في البداية لا يرغبون أصلا في دخول الأراضي السعودية للتفاوض، ثم دخلوا واستقبلتهم المملكة بأحسن استقبال، لكن يبقى الهدف الأساسي للمملكة هو على المستوى الدولي، تطبيق قرار 2216، وعلى المستوى الإقليمي، تطبيق المبادرة الخليجية، بكل بنودها، وعلى المستوى اليمني، إتمام مخرجات الحوار الوطني، التي اتفق عليها اليمنيون. إذا تمت هذه الأمور الثلاثة، ما يطلبه العالم، وما يطلبه الإقليم، وما يطلبه اليمنيون أنفسهم في حوارهم الذي كان الحوثيون أيضا من ضمنه، وعلي عبدالله صالح من ضمنه، فهذا ما ترغب به المملكة، لا ترغب بشيء غير هذا، لا لها أطماع في اليمن، ولا تميل لفئة ضد أخرى.

* ما رأيك بدور الأردن في تحالف إعادة الشرعية في اليمن؟
- الأردن يؤدي كل دور يطلب منه من إخوته العرب، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية. لا شك لدي بهذا بتاتا، بالذات الأدوار التي تحافظ على الأمن الاستراتيجي العربي، والخليجي بصفة خاصة. وأكرر القول إن الأردن لديه وضع جيوسياسي، ولديه عمقه العربي والسعودي بصفة خاصة، وكلما حقق التوازن بين الأمرين، كلما تمتع باستقرار.

* كيف تصف العلاقات الأردنية السعودية؟
- مميزة بالطبع، وهي نموذج للعلاقات العربية العربية يجب ان يحتذى به.

* أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون انتقد قبل أيام دولا إقليمية ودولية، لم يسمها، قائلا إنها تستغل سورية كميدان لتصفية حساباتها وخصوماتها الإقليمية؟
- لا تعليق.

* لننتقل الآن إلى الحديث عن عملك وجهودكم في المجال الإغاثي، ماذا تقول عنه؟
- نعم هو عمل إغاثي وليس خيريا. عمل منظم له أطره وشراكاته وأوقاته الزمنية وهياكله التنظيمية، عمل مؤسسي، والعمل الإغاثي يحمل صفة الطارئ وليس الديمومة، لذلك هو يختلف عن العمل التنموي، وعادة ما يكون استجابة لمأساة أو أزمة، مفتعلة كالحروب، أو غير مفتعلة كالكوارث الطبيعية، ويكون فيها أبرياء، وهؤلاء هم من يلفتون نظرنا، فما ذنبهم، أن يبقوا بدون عون، هذه هي فكرة العمل الإغاثي.

*لماذا اخترت العمل بالمجال الإغاثي؟
- أعمل بعدة أمور، لكن هذا الجانب محبب أكثر لي، عندما تضع كل طاقتك وكل ما تعلمته في أمر يفيد الناس، فماذا يوجد أفضل من ذلك. وإذا كان هناك أمور أخرى يستدعي المجال أن نقوم بالواجب بها، فإننا جاهزون ولن نقصر.

* منذ متى بدأت بالعمل الإغاثي ومع من عملت بهذا المجال؟
- مع الفلسطينيين بداخل فلسطين، أثناء الحصار بعد الانتفاضة الثانية، أطلقنا تحالفا وقمنا بعمل إغاثي، دون الخوض في التفاصيل. أيضا في حرب غزة 2008 و2009 كنا موجودين في سيناء، لتقديم العون للفلسطينيين أثناء الحرب، وفي لبنان في العام 2006 قمنا بذات الشيء، أقمنا عدة جسور إغاثية. كنا المنظمة غير الحكومية الوحيدة، التي قدمت الإغاثات للإخوة اللبنانيين بغض النظر عن عرقهم ودينهم وخلفياتهم، من خلال ثلاثة جسور منظمة، وحاليا نعمل مع سورية منذ أربعة أعوام.

* منذ بداية اللجوء السوري؟
- بدأنا في كانون الثاني (يناير) 2012، أولا أرسلنا فريقا استطلاعيا، لنعرف ما هي الكارثة، وفي الدول الثلاث، تركيا ولبنان والأردن. هدفنا الأول كان الإيواء، والثاني علاج المصابين، والثالث هو دعم الصمود الداخلي. في بعض الدول نعمل مع المنظمات الدولية لأن الحكومة ليست بذات الكفاءة، بينما بدول أخرى نعمل مع الحكومة، وفي أخرى نعمل مع منظمات المجتمع الأهلي.
عملنا مشاريع إيواء مع الأمم المتحدة ومع المجتمع المحلي في الأردن ولبنان، وعملنا في مجال علاج المصابين، أرسلنا أدوية أيضا إلى الداخل في القرى المحاصرة، أنشأنا مستشفيات ميدانية داخل سورية، وأسسنا فريقا طبيا متطوعا من أطباء من السعودية يتوجه لهذه الدول، ويجري مئات العمليات الجراحية.
أما الصمود في الداخل، فلدينا جسور إغاثية، تتسم بحجمها الكبير وتنظيمها وشموليتها للمواد، والتأكد من إيصالها لمحتاجيها، في القرى المحاصرة، وبناء الشراكات، مع ممولين وموردين ومسهلين. الأردن مثلا جانب مسهّل، فلا بد أن نعمل معا، لإيصال المساعدات لداخل سورية، ونحضر شركاءنا من الداخل السوري، ونقيم تفاهمات معهم، ونوقع معهم اتفاقيات، بحيث يقومون بتوصيل المساعدات للقرى التي اتفقنا على توصيلها لها.

* هل هذا العمل عبارة عن حملة أم مبادرة؟
- مبادرة اسمها "نلبي النداء"، هي مبادرة سعودية خاصة، وهي الآن بطور التسجيل في السعودية، بينما هي مسجلة فعليا في الأردن. لدينا أعمال أيضا داخل السعودية، لكنها لا تأخذ صفة الإغاثة، بل هي أقرب إلى الأعمال الخيرية.
* في مؤتمر اللاجئين الأسبوع الماضي في الأردن، أجبتم عن سؤال حول أسباب عدم استضافة السعودية للاجئين سوريين، بالقول إن هناك 2 مليون لاجئ سوري في السعودية منذ 2011 ولغاية اليوم، يعملون بوظائف، هل هم لاجئون أم سوريون مقيمون بالسعودية؟
* هؤلاء المليونا سوري أساسهم أقل من ذلك بكثير. هؤلاء يطلبون أهلهم وأقرباءهم وذويهم، الموجودين في مناطق مأزومة. بعضهم يطلب خمسة أو عشرة أو حتى اثنين فقط، بمعنى لم شمل أسرة، لم الشمل هذا هو في الحقيقة يحصل في الدول المحيطة بسورية حاليا، مثلا إذا أدخل لاجئ لمخيم كلس في تركيا، وبعد إقامته بفترة أراد احضار أسرته من إدلب أو الرستن أو حلب، فيحصل لم الشمل، ولكن بهذه الحالة حصل لم الشمل في مخيم، جزا الله الدول المستضيفة خيرا طبعا، لكن السعودية لم تقم مخيمات، بل جعلت المملكة كلها مكانا لهذا الشخص.

* تقصد أنه تم منح السوريين في السعودية تسهيلات؟
- بدون شك. هؤلاء لم يأتوا بعقود عمل، ولم يأتوا للعمل ولم يأتوا ليعودوا، بل أعطتهم المملكة تأشيرات زيارة، يعني سمحت بدخولهم، وقالت انه عند انتهاء هذه التأشيرات، فانها تجدد تلقائيا، بحيث لا يخاف السوري من انه سيتم إبعاده. هناك دول اخرى محيطة بسورية حاليا، إذا انتهت تأشيرة السوري لديها، لا تجدد، ويضطر للعودة. كما أن السوريين يدخلون المدارس في السعودية، مثلهم مثل أي سعودي، ويسمح لهم بالعمل، ويعالجون في المستشفيات الحكومية.
عدد سكان المملكة كبير، 23 مليون سعودي، إلى جانب حوالي 8 ملايين من الإخوة من الدول الأخرى، وهناك ضغط على المستشفيات، لذا فإن أي شخص غير سعودي يذهب للمستشفيات الخاصة، يتعالج على حسابه أو على حساب الجهة التي يعمل بها من باب التأمين الطبي، أما السوري فيدخل أي مستشفى حكومي، مثله مثل السعودي، أعتقد أن الأردن يقوم بشيء شبيه أيضا.
بالنسبة للمدارس، فإن الصفوف الدراسية محددة، لا يسمح بتخطي عدد طلبة معين بكل صف، إلا إن كان طالبا سوريا، فيسمح بتخطي العدد، وكذلك الجامعات.
هناك تجربتان للمملكة في هذا السياق، في العام 2003 لما وقعت أحداث العراق، خرج عدد هائل من الإخوة العراقيين، وبما أننا للأسف أصبحنا نتكلم بالسنة والشيعة، فإن قسما كبيرا منهم كانوا من إخواننا الشيعة، ولجأوا للمملكة، وأقامت لهم مخيما كبيرا ومهيأ بالكامل، فيه كل الخدمات من جامعات، مدارس، مستشفيات، ولم تفعل السعودية ذات الشيء مع السوريين، بعض الناس يلومون ويقولون، لماذا لا تفتح السعودية مخيمات، وأنا أقول لهم، لقد فتحت البلد كلها لهم، هذا موقف رائع بالنسبة لي.

* ما هو الفرق في عملكم لإيصال المساعدات الإنسانية إلى اللاجئين السوريين بين الأردن ولبنان، في ظل وجود نوع من الخلاف المذهبي في لبنان، وبما يشمل السوريين هناك؟
- نحن في عملنا بشكل خاص، لا يؤثر هذا الخلاف علينا، فقد وجدنا طريقة جعلناها لا تتأثر بهذه الأمور. لكن بصفة عامة، وضع اللاجئين في لبنان هو من أصعب الأماكن في الدول المحيطة بسورية، لأسباب كثيرة، أولها لأن لبنان لا يسمح بإقامة المخيمات على أراضيه، حتى لا تتكرر التجربة التي حصلت مع الفلسطينيين العام 1948. الثاني أن قسما كبيرا من الشعب اللبناني ليس مع الثورة السورية، فبالنسبة لهم أي لاجئ يخرج هو من المعارضين لبشار، فلهم نظرة غير مريحة إذا نظرنا للأمر بطريقة مبسطة، أو عدوانية إذا نظرنا للأمر بطريقة معقدة أكثر.
أما الأمر الثالث فهو طبيعة السلطة التنفيذية، الممثلة بالحكومة غير الفعالة، عند التعامل مع كارثة تحتاج لجهاز فعّال، على الأقل، يتم تنفيذ القرارات، وتلقي المساعدات الخارجية، ولا يوجد حتى الآن رئيس جمهورية، وبرلمان معطل، ومحكمة دستورية غير مجددة، كيف ستتعامل مع مشكلة قوامها أكثر من مليون ونصف لاجئ موجودين على أراضيك، اذا كانت الحكومة لا تعرف التعامل مع شعبها بفعالية؟
أنا رأيت اللاجئين هناك، بسبب عدم إقامة مخيمات لهم، يعيشون في صفائح، حتى إخواننا الفلسطينيين، من اسوأ المخيمات الفلسطينية في الدول المحيطة بفلسطين هي الموجودة في لبنان، لا مجال مثلا لمقارنة مخيم صبرا وشاتيلا في لبنان بمخيمات الحسين والبقعة في الأردن.

* ما رأيك بحلول للتعامل مع أزمة اللاجئين؟
- لدينا اقتراحات بخصوص اللاجئين السوريين والفلسطينيين، هناك دولة صدّرت اللاجئين، وأخرى استقبلتهم. دولة طاردة وأخرى مستقبلة. لم يترك اللاجئ بلاده لولا الإخراج المسلح، الذي لولاه لما خرج الفلسطينيون أساساً عام 48، لذا نحن كمجتمع دولي علينا وضع الآليات لتحقيق أسس العدالة في الدول، لأنه عندما نشعر أن ميزان العدالة بدأ يهتز، وبات هناك إقصاء سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي وتفرقة عنصرية، ومنعا لحق تقرير المصير، فأنا كمجتمع دولي يجب أن أضع آليات للتدخل، لإصلاح الوضع. إذا كان القانون الدولي لا يسمح، فأغّير هذا القانون، لكن لا أترك الأمور تتفاقم ثم أبدأ بالتدخل. هذا بالنسبة للدولة الطاردة، وأقوم بإجراءات قبل أن يخرج اللاجئون من دولهم، أما إذا حدث ذلك، فلا بد أن أتعامل معه بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، أي أنه إذا حصلت إبادة جماعية يحق للمجتمع الدولي التدخل لمنع هذه الإبادة.
أما الدولة المستضيفة، بعد خروج اللاجئين، هناك استجابة فورية، ومنها ما نقوم به نحن ومئات غيرنا، وأفضل منا، استجابة فورية لحاجات اللاجئ أو النازح، أو الذي خرج قسريا، لحمايته وتأمين السقف والدفء والعلاج، أساسيات الحياة. وكان اقتراحي في المؤتمر في عمان، وهو اتجاه عالمي بدأ يكبر، أنه يجب النظر للاجئ أو النازح ليس على أساس أنه عبء بل له منفعة، وضعه في المخيم وإطعامه ورعايته يشكل عبئا، وسيأتي يوم من الأيام سيكون هناك إرهاق ولن تصرف عليهم الدول، وقد يتحولون إلى عصابات إجرامية، لأن الستين مليون لاجئ في العالم لم يعد منهم لبلادهم سوى 120 ألفا فقط، هذا يعني أن الأزمة ستطول.
نصف الستين مليون لاجئ هم في العالم العربي، وربعهم بين سورية وفلسطين، ولتحويلهم من عبء إلى عناصر مفيدة، علينا أن نوازن بين الإغاثة والعمل التنموي، واستقطابهم للعمل. بينهم فنانون ومفكرون وعلماء وحرفيون ومهندسون.. إلخ. هناك البعض يجادل أنه إذا تم استقطابهم فإنهم سيأخذون وظائف أبناء البلد، الفكرة الجديدة الآن التي اختبرت في تركيا وفي السويد، تثبت أن هذا غير صحيح، بالعكس، هم قد يكونون قيمة إضافية لاقتصاد البلد، لأن المسألة طويلة الأمد، إما أن تعيدهم إلى بلادهم أو تبقيهم في المخيم، وتبقى تصرف عليهم، أو تطلقهم في مجتمعك، أنا لا أقول أطلقهم في مجتمعك، بل تقييمهم وفرزهم للاستفادة منهم في تنمية الاقتصاد.

* لكن في الأردن الناس يقولون إن السوريين ينافسونهم على الوظائف، خاصة وأن معدلات البطالة لدينا مرتفعة؟
- لست خبيرا بهذا الصدد، ولكن هذه الفكرة لفتت نظري وأنا أنقلها. أهل الاقتصاديات يعرفون هذه التفاصيل. ولكن في الأردن مثلا، على المجتمع الدولي أن يساعد بتمكين وجعل هؤلاء اللاجئين منفعة للأردن، بوجود آليات طبعا، كي لا يتضرر المواطن الأردني، وعلى المجتمع الدولي المساعدة بتطوير هذه الآليات والبرامج كي يستفيد منها الأردني والسوري.
نحن على مستوى عملنا الصغير، قمنا بعمل بمجال علاج المصابين مثلا، بتدعيم مستشفى في المفرق، عبارة عن مركز صحي متكامل، شغلناه بالشراكة مع أحد المراكز الطبية بالمفرق، 50 % من طاقة هذا المركز لخدمة الأردنيين بالمحافظة.

[email protected]