الأهم ما يحدث خارج الموازنة

منذ الإعلان عن مشروع قانون الموازنة للعام 2019، خرجت العديد من التحليلات التي ركزت على ثلاث قضايا رئيسية تضمنها المشروع، تمحورت حول أن الموازنة تقشفية ولا تتضمن توسعا في النفقات الرأسمالية، وبالتالي فإنها لن تساعد على تحقيق معدلات النمو، ثانيا، إن تقديرات الإيرادات مبالغ فيها، ولن تتحقق خلال العام المقبل حتى لو تحقق معدل النمو الذي بنيت عليه افتراضات التقديرات، وبالتالي فإن العجز وما يتبعه من مديونية سيرتفع، وأخيرا جاءت الموازنة تقليدية لم تأت بجديد وهي لا تشكل نقلة نوعية في طريقة الإعداد أو في التنفيذ، فهي نظريا تقوم على تحقيق عدد من الأهداف تطبيقا لشعار الموازنة الموجهة بالأداء، لكن من الناحية العملية غير قادرة على الوصول الى الأهداف المرجوة. على وجاهة هذه القضايا، لم يتم التعرض في التحليل إلى أن الموازنة هي حساب الدولة وهي تشكل جزءا من الصورة الكلية، والهدف بعيد المدى هو الحد من حجم الإنفاق العام مقارنة بحجم الاقتصاد، وذلك تطبيقا للنهج القائم على زيادة مساهمة القطاع الخاص وفتح آفاق الاستثمار أمام القطاع الخاص القادرة على توليد فرص العمل وتحقيق معدلات نمو تسهم بالخروج من حالة التباطؤ الاقتصادي ومستويات النمو المتواضعة التي يحققها الاقتصاد على مدى الأعوام الماضية. من هنا فإن نقاشات مشروع الموازنة الجارية حاليا في البرلمان يجب أن تتطرق الى السياسة الاقتصادية بأبعادها المختلفة، فهي فرصة للتوصل الى صيغ مرتبطة بالصعوبات والعقبات التي يجب تذليلها لتحفيز مستويات النمو، وإذا ما تم حصر النقاشات في بنود الموازنة بمعزل عن الإطار الكلي للاقتصاد، فإن النقاشات والتوصيات لن تخرج أيضا على الإطار التقليدي القائم على بعض المطالب التي نعرف مسبقا أنها لن تلبى بالنظر الى محدودية المخصصات في الموازنة، وترتيبا على ذلك فإن نقاشات الموازنة يمكن أن تركز على محاور رئيسية ترتبط بالمستقبل والسياسات العامة. ولعل في مقدمة هذه الأولويات ما يرتبط بالإطار الكلي للاقتصاد وكيف تم بناء الفرضيات التي قامت عليها الموازنة، وما مدى واقعية تحقيق معدلات النمو، وكيف سيتم مراقبة الأداء، وما هي سبل إشراك مجلس النواب في الرقابة، وهل سيتم ربط الإنفاق بالأهداف المرجوة ضمن منظومة شفافة تمكن المجلس من ممارسة دوره وتضع مؤشرات لقياس الأداء على الحكومة على مدار العام، وهذا من شأنه الوصول الى تقاسم الأدوار بما ينسجم مع صلاحيات الحكومة التنفيذية ومجلس النواب فيما يخص الرقابة واطلاع الرأي العام عليها. فعلى سبيل المثال، تم خلال الأعوام القليلة الماضية إنفاق مبالغ كبيرة على الصحة والتعليم، مع ذلك تدهورت النوعية، فهل نريد الاستمرار بذلك؟ ثاني الأولويات ترتبط بقائمة المشاريع التي ستقوم الحكومة بتنفيذها من خلال آليات تمويل مختلفة تضمن مشاركة القطاع الخاص وما هي السبل لتحقيق ذلك، وهذا من شأنه الإسهام بشكل غير مباشر بالتوسع في الإنفاق العام، من خلال تقديم ضمانات مستقبلية وتعاقدات طويلة الأجل لبعض المشاريع التي ترغب الحكومة في تنفيذها، وتنسجم مع أولوياتها ولكن الحكومة لا تمتلك الموارد الكافية للتنفيذ. ثالث الأولويات هي موضوع اللامركزية وكيف يمكن تعزيز أدوار المجالس التنفيذية في المحافظات، بحيث يتم تفعيل القانون الخاص بذلك، وتمكين المجتمعات المحلية من اختيار أولوياتها والانتقال بتنفيذ الموازنة عمليا من المركز الى الأطراف. نقاشات الموازنة، إذا خرجت على سياق الأرقام الصماء والمطالب المحلية، تشكل فرصة لنقاش السياسة الاقتصادية ورسم توجهات المستقبل، وهي فرصة كذلك لاختبار جدية الحكومة لتنفيذ "مشروع النهضة".اضافة اعلان