الأيادي المرتجفة!

علينا أن نعترف بأن فرصا بالعشرات بل وبالمئات، ذهبت أدراج الرياح بسبب أن مفاتيح أشرعتها كانت أو هي الآن في عهدة أشخاص، غير قادرين على اتخاذ القرار.اضافة اعلان
الخوف من المساءلة والتهرب من المسؤولية، ضيعا على البلد والمؤسسات والأفراد والأحلام والعهود بادرات كثيرة كان من الممكن استثمارها بشكل إيجابي وبناء. هذا الخوف مرده ليس فقط فوبيا الفساد التي انتشرت مؤخرا، وجعلت من أصحاب القرارات، والمتحكمين في سير عمليات المشاريع، مترددين متقوقعين مرعوبين من الإقدام على الخطوة المقبلة. حتى لو كانت أوراقها سليمة مائة بالمائة.
ليس هذا فقط كما يبدو. بل إن انتشار ثقافة "امشي الحيط الحيط"، والارتكان لمنفذ أن الذي لا يعمل بالضرورة لا يخطئ، للأسف الشديد أصبحت مفاهيم ملاصقة للموظفين والمسؤولين وأصحاب القرار، في شتى المجالات الوظيفية والإدارية والعملية، حتى تلك التي لا يتطلب فيها اتخاذ قرار بسيط إلى تعقيدات وإجراءات معطلة.
ليس سهلا على من يجلس على كرسي الوظيفة اليوم، أن يتجاوز معوقات التقدم ومعرقلات البناء، خصوصا لو كان مدركا ما الذي يحدث في الجهة الأخرى خلف الجدار، من تهويل وتخويف وتهديد يطال كل حركة يقوم بها، وكل قرار يفكر بصوت عال أن يمشي فيه. هذا الخوف سببته بالتأكيد جحافل المستذئبين الالكترونية، المنتظرة بشغف وتربص أي غلطة تحدث في الممر الذي يقع فيه مكتب الموظف أو المسؤول، لتنهال عليه بالسوط والكرباج، وتكيل له التهم الجاهزة بالفساد واستغلال الوظيفة.
ينسحب هذا الوضع على كثير من الشركات والهيئات الخاصة أيضا، مما يجعل الأمر غير مفهوم بالمرة، بالنسبة لقطاع متحرر نوعا ما من الضغوطات الإدارية والبيرقراطية. فحتى قطاع الخدمات بات يسير بشكل آلي تجاه أهداف محددة منذ سنوات طويلة فائتة. وكثير من المبادرات والأفكار التي يركض بها شباب هذا اليوم، تصطدم فعليا بكنه القرارات، ولؤم التشريعات والقوانين الناظمة للعمل في هذا القطاع.
مباركة جدا الجهود التي تبذلها الدولة في اتجاه اقتلاع جذور الفساد، والتخلص من فروعه المتشعبة. ومقدرة كثيرا بعض حملات المراقبة الالكترونية وليس جميعها، بعد أن اختلط الحابل بالنابل، الساعية إلى بتر أسس المحسوبيات والشخصنة.
لكن وبالتوازي مع هذا الحراك الطيب الشريف، يجدر بالدولة والقائمين على قراراتها، من كبيرها إلى صغيرها، مرورا بالقطاعات والمؤسسات شبه الرسمية إلى الشركات الخاصة، الشد على الأيادي المرتجفة المجمدة للتحرك قدما إلى الأمام، وتعليم الموظف المسؤول بأن الأخطاء واردة وهي لا تشبه بعضها ولا توضع في الميزان نفسه.
قليل من الأخطاء غير المقصودة ولا الكارثية والتي تعلم وتدرب، ولكن تدير عجلة العمل والتقدم، هي مرحلة طبيعية من مراحل العمل المنتج، ضمن حدود دولة تعد بتخطي مراحل الركود إلى مستقبل واعد.