الإجماع الصهيوني وضم غور الأردن

في كتابي الأخير الذي نشر العام الماضي، كنت قد توصلت إلى نتيجة مفادها أن هناك تنقاضا جوهريا بين المصالح الحيوية للأردن من جانب وسياسات إسرائيل في الضم والتنصل من حل الدولتين من جانب آخر. والمنطق يقول بأن الصدام بين الدولتين هو مسألة وقت. لكن هل سيكون هناك صدام مباشر بين عمان وتل أبيب أم أن الأولى ستتكيف مع خطوات إسرائيلية قادمة على رأسها ضم غور الأردن؟ لغاية كتابة هذه السطور، لا يتحدث المسؤولون الأردنيون عن خياراتهم إذ يكتفي وزير الخارجية بالتأكيد على الثوابت الأردنية المعروفة لكن دون أن يقول لنا ماذا لو تجاوزت إسرائيل هذه الثوابت وهي بالفعل تقوم بالتجاوز؟! بمعنى، بعد أن فشلت مقاربة حل الدولتين التي تتبناها الأردن، هل في جعبة صاحب القرار خطة بديلة تحافظ فيها على المصالح الأردنية الحيوية؟اضافة اعلان
ترى إسرائيل أن هناك فرصةً كبيرةً لضم المستوطنات وغور الأردن، فهناك إدارة أميركية تساند هذا الهجوم التوسعي وهناك إقليم عربي ممزق وهش في حين أن النظام العربي غير قادر على تسجيل موقف جاد وموحد حيال ما تقوم به إسرائيل. يرافق ذلك تبلور إجماع صهيوني حول ضرورة الضم مع أن هناك بعض الأصوات المعارضة والخافتة وغير القادرة على صناعة الفرق. وإسرائيل بصرف النظر عن هوية الحزب الذي يحكمها تعمل دوما بمنطق استغلال الفرص. والإجماع الصهيوني يقر أن ثمة فرصة لعمل ذلك وبأقل ضجيج ممكن. وهذا ايغال بالمور، أحد ممثلي الوكالة اليهودية يقول إن المجتمع الدولي ربما يحتج على الخطوة الإسرائيلية لكن الاحتجاج سيكون لأيام قلية والقافلة ستسير، ويذكر أصحاب الصوت العالي في إسرائيل بأن مناحيم بيغن كان قد ضم الجولان دون أن يأبه لما يقوله المجتمع الدولي ومع ذلك لم تتراجع مكانة إسرائيل دوليا.
طبعا، هناك من يحذر من مغبة تنفيذ هذه الخطوة الاستفزازية، فربما يكون للاتحاد الأوروبي موقف لكن يستحيل أن تجمع دول الاتحاد الأوروبي على سياسة عقابية، هكذا يفكر الإسرائيليون. من جانبه أشار رئيس جهاز الموساد الأسبق افرايم هليفي إلى أن «ضم غور الأردن سيترك آثاره على اتفاقية السلام الباردة، لكنها مستقرة، مع المملكة، ومن المستحيل التنبؤ بكيفية تأثير الضم على اتفاقية السلام، هناك تواجد كبير للفلسطينيين في الأردن، لا يمكن لأحد أن يخبرك في هذه المرحلة ما ستكون ردود فعلهم، وهم الآن مواطنون أردنيون، لكن ما أثق به أن ضم غور الأردن قد يؤدي إلى تدهور كبير في العلاقات الثنائية المتوترة».
ما يثير القلق – وهذا مهم لنخب وادي عربة الذين بشروا بسلام وعوائد اقتصادية – أن شخصيات إسرائيلية تقول بأنها قريبة من الأردن لا تعترض على الضم وإنما على التوقيت وعلى كيف يمكن أن ينعكس على العلاقة الثنائية مع الأردن. بمعنى آخر، حتى افرايم هليفي يرى بأن لإسرائيل حق الضم وهو يعترض فقط لأسباب تكتيكية ولكنها لا تمس جوهر «حق» إسرائيل في الأرض. هذا هو الآخر الذي راهنت نخب وادي عربة عليه. تتوارى نخب وادي عربة عن الأنظار وهم لا يصرحون ولا يقولون لنا بماذا أخطأوا وكيف يمكن إصلاح الأخطاء إن لم تكن الخطايا.
أخشى ألا يتوقف الأمر عند ضم غور الأردن، فالنخب اليمينية الحاكمة في إسرائيل باتت تنظر للإقليم بشكل مختلف عن منظري «الخيار الأردني» في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. في ذلك الوقت احتلت فيه الأردن مكاناً بارزا في الإستراتيجية الإسرائيلية لكن إسرائيل تغيرت واختلفت ونحن بصدد التعامل مع إسرائيل جديدة وهذا يتطلب مقاربات جديدة ليس من بينها التكيف مع إسرائيل ولا التمسك بأوهام السلام.