الإخوان والدولة المدنية والحريات

برز جدل الدولة المدنية، ربما كأحد القضايا القليلة ذات الطابع الفكري والوطني العام في سياق الحملة الانتخابية البرلمانية الأردنية الأخيرة (انظر مثلا تقرير الزميلة هديل غبون في "الغد"). والغريب أن من وقفوا ضد فكرة الدولة المدنية، وضعوها في خانة اللادينية، أو المعادية للدين، مع تناسي أو نسيان، أنّ الدولة المدنية، كانت شعار الإخوان المسلمين في الانتخابات المصرية، عامي 2011 2012 ، فيما يعكس تخبطا أو عدم تحديد للمواقف. اضافة اعلان
كان هناك جدل كبير بشأن موضوع الدولة المدنية، بعد فوز الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في مصر، ومما أذكره، قيام حزب التحرير، الذي يتبنى المرجعية الإسلامية أيضاً، بشن حملة ضد الفكرة، ومن هذا تعليق يافطات كبيرة تغطي جزءا من واجهات المسجد الأقصى، في القدس، تهاجم الفكرة. وضمن الجدل حينها، كتب عصام العريان، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بحثاً، يدافع فيه عن الفكرة و"يرد على كثير من الأسئلة وينير كثيرا من نقاط الالتباس حول رؤية الإخوان المسلمين ومفهومهم للدولة الحديثة، تلك الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية". وبالتالي فمن حيث المبدأ رفع الإخوان المسلمون شعار الدولة المدنية، ولا يقلل من هذا حديثهم عن المرجعية الإسلامية. وفي حديثه عن معنى الدولة المدنية، يقول مثلا "وفي وثيقة المدينة منح الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود أسس الحقوق المدنية والسياسة في إطار الاعتراف بالتعددية الدينية في الدولة الإسلامية".
مشكلة جدل الدولة المدنية، في الأردن، كما كان في مصر، هو التسييس، وتغيير المعاني بحسب المصلحة السياسية، وتسرع الكثيرين في الحديث دون علم. والواقع أنّ حديث المرجعية الإسلامية ذاته الذي تحدث فيه الإخوان المسلمون، في مصر، قد خضع لتعريف فضفاض جداً عند الإخوان أنفسهم. وعلى سبيل المثال استضاف البرلمان البريطاني في 7 تموز (يوليو) الفائت، مجموعة من قياديي الإخوان المسلمين، منهم (بحسب ما جرى تعريفهم على موقع البرلمان البريطاني)، رضوان مصمودي، مستشار راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية، وابراهيم منير، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين المصريين، وسندس عاصم، منسقة الإعلام الأجنبي لمكتب الرئيس المصري السابق محمد مرسي.
وحُدد للجلسة أهداف منها "مراجعة أفكار الإخوان المسلمين"، وكانت الأفكار والآراء المطروحة صادمة، ولو طرحها غير الإسلاميين لاستخدمت ضدهم بكل قسوة. قال منير (في اللقاء المسجل)، عن نظام الخلافة الإسلامية، إنّ "تعبير الخلافة ليس من الدين ونسعى لوحدة إسلامية، مثل الاتحاد الأوروبي وغيره، تحت أي مسمى، مع احتفاظ كل قطر من الأقطار، وكل دولة، بهويته الخاصة وعاداته الخاصة". وعندما سئل عن حرية "الكفر" بالله، والشذوذ الجنسي، قال منير، إنّ "الشريعة فيها نص قرآني، أن من حق الإنسان أن يكفر أو لا يكفر، أن يؤمن بوجود إله أو لا يؤمن (...)، وليس من حق الحاكم، حتى لو كان مسلما، أو المجتمع، أن يجبروه على الإيمان بالإله". ويضيف (نائب مرشد الإخوان المسلمين) عن موضوع "حق الفرد في المجتمع أن يختار ما يريد من حياة جنسية في الحياة الخاصة"، أن "كل مجتمع له مثله، وخصوصياته، والإنسان حر، أعطاه الله الحرية ليفعل ما يشاء لأنه هو الذي يحاسبه، والمجتمع يحدد سلوكيات الإنسان، والفرد حر في اختيار ما يشاء في إطار العرف العام في المجتمع".
ما تثيره تصريحات منير، ومن معه، (والتي لا نعلم كم يؤيدها حقا الإخوان المسلمون)، أنّها تبدو انعكاساً للرغبة في تلقي القبول من جمهوره الذي يخالفه، تماماً كما يقوم البعض بتسمية العلمانية، والمدنية، والفنون، بأنها سقوط ونقيض للأخلاق والإيمان. 
الدولة المدنية مفهوم فضفاض بدوره، ولكن ربما أحد أهم معالم هذه الدولة، هي حكم القانون بفعالية، والمساواة بين المواطنين، والمشكلة في الجدل الدائر، أنّه إذا استمر البعض في ترديد مقولاتهم عن التناقض بين الدين والإيمان من جهة، والدولة المدنية، فإنهم يقدمون تعريفا مزورا للدولة المدنية، تماماً، كما أصبح لدى كثيرين، مفهوم خاطئ بشأن العلمانية، والليبرالية، والزعم أنها بالضرورة تتنافى مع التدين والدين.
من المهم في المرحلة المقبلة تعميق النقاش بشأن الدولة المدنية ومتطلباتها، ومعناها، بعيدا عن الخطاب "الدعائي".