الإرادة السياسية ولو بالترقيع!

بالفعل، الإرادة السياسية تصنع الفرق أحيانا، حتى ولو بالترقيع؛ فمنذ نحو خمس سنوات، بقيت معاناة المسافرين على الطريق الصحراوي الذي يربط أربع محافظات بالعاصمة، ويشكل عصب الاقتصاد الوطني، من دون استجابة حقيقية، على الرغم من أن الحكومة بدأت منذ عامين بالحديث عن وضع مخصصات لعمليات صيانة كبيرة للطريق المتهالك الذي أصبح مصيدة للموت. اضافة اعلان
بعد عطلة عيد الفطر الماضي، رجعت الأصوات المذكرة بالكارثة التي يجسدها هذا الطريق. وربما لأن آخر منصب شغله رئيس الوزراء د.هاني الملقي قبل موقعه الحالي، هو رئيس مفوضي منطقة العقبة الخاصة، فإنه بالتأكيد يعرف بالضبط ماذا يجري هناك. وقد طلب إجراء صيانة سريعة للطريق، حتى تتمكن الجهات المعنية من استكمال إجراءاتها لعملية الصيانة الموعودة منذ أكثر من عامين. وخلال أقل من ثلاثة أسابيع، تمت عملية ترقيع حوالي مائة كيلومتر من الطريق، وتم "ردم عشرات الحفر". المهم أن هذه العملية، ولو كانت ترقيعا سريعا، قد صنعت فرقا كبيرا.
السؤال المهم هو: إذا ما كنا نستطيع فعل ذلك، فلماذا تأخرنا كل هذا الوقت؟ وماذا نقول لأسر عشرات الضحايا الذين ذهبوا نتيجة خراب الطريق؟ وما حجم الفاتورة التي أهدرت في صيانة آلاف المركبات؟
في ملف آخر، قبل عدة أشهر، بدأت الحكومة إجراءات أمنية مشددة، جانب منها ارتبط بضبط استخدام الأسلحة، والآخر متعلق بإطلاق الأعيرة النارية في المناسبات الخاصة، بعد أن فشلت حملات التوعية ولم يعتبر البعض من مشاهد عشرات الضحايا. هذه الإجراءات الأمنية تقدمها تصميم وإرادة سياسية. وبالفعل، تم ضبط الملف لعدة أشهر، وصمتت الجبهات الداخلية من صوت الرصاص المتطاير فوق الرؤوس، في حالة يشهد لها. لكن المعلومات الجديدة في الأيام الأخيرة، تتحدث عن استرخاء أخذ يعود في تطبيق هذه الإجراءات في كثير من المناطق.
والإرادة السياسية فعلت الكثير في استعادة الهيبة لامتحان "التوجيهي"؛ فتم ضبطه بعد أن تحول إلى فوضى عامة خلال السنوات الماضية. والإرادة السياسية استطاعت وقف الغش في الامتحانات المدرسية. لكن تلك الإرادة ما تزال متعسرة على أبواب الجامعات.
الإرادة السياسية أيضا فعلت الكثير في ملف المياه، بوقف الاعتداءات على مورد نادر؛ سواء من خلال السرقات أو من خلال الآبار غير المرخصة. لكن الإرادة السياسية ذاتها تنتظرها قرارات قاسية ومؤلمة في قطاع الطاقة الذي يعد أكثر مصادر الصداع الوطني.
الإرادة ترتبط بالقدرة؛ بمعنى هل نستطيع أن نفعل هذا أو ذاك؟ وأحيانا، قد لا نستطيع فعل الكثير إذ لم تكن لدينا القدرة. لكن للأسف، ثمة طبقة سياسية تسلمت مواقع قرار في البلاد لسنوات طويلة، عطلت العديد من القوانين تحت ذريعة تضخيم ضعف القدرات؛ فمعظم الملفات المحرجة إداريا وأمنيا واقتصاديا تحتاج للإرادة قبل القدرة، أي التصميم على صون القانون وإنفاذه على الجميع.
من هنا تبدو أهمية مبدأ الجبر القانوني، أو ما يمكن أن يطلق عليه البعض "استبداد القانون". فالمجتمعات، في لحظات ما من عمرها وفي مراحل التحول القاسية أو حينما تخرج أو تكون في طريقها للخروج من أزمات كبيرة، أو حينما تكون مهددة، تكون في أمسّ الحاجة إلى جبر القانون الذي يعني التصميم السياسي على إنفاذ القانون، بعدالة.