الإرهاب في دراما رمضان

ليت المسؤولين العرب يكتفون بالمؤتمرات المناهضة للإرهاب، التي تغطى ضمن نشرات الأخبار. ولا بأس في مؤتمرات صحافية بين الفينة والأخرى تغطي إنجازات ملاحقة الإرهاب وكشف مخططاته ووئدها في مهدها، وفي الغضون ينشغل الصحافيون في متابعة المحاكمات من توجيه التهم وصولا إلى الأحكام.

اضافة اعلان

لكن بعض المسؤولين، لا يكتفون بذلك، فيستنفرون المؤسسات المعنية بإنتاج الدراما في شهر رمضان، إذ يكون الإنسان بحاجة إلى إرواء ظمأ الروح بتلقي كم غير محدود من المواعظ الفجة والمفتعلة على لسان ممثلين لا يمتلكون معرفة وإدراكاً لهذه الظاهرة وتعقيداتها المركبة. الدراما شيء آخر، ولا يجوز المراهنة على غباء المشاهد. فالكاميرا تفضح، وعين المشاهد لا تخطئ.

"الحياة" اللندنية نشرت تقريرا عن مسلسل رمضاني سوري يعالج مسألة الإرهاب. وهنا أتعامل مع عينة يمكن أن تعمم على أعمال أخرى. تقول الكاتبة انها كتبت النص "استناداً الى معلومات واقعية تم ربطها في شكل درامي. فهناك في المسلسل امير الجماعة ومسؤولها العسكري والشخص المغرر به". ويمكن الاستنتاج ان الكاتبة استفادت من شهادات، كان قدمها اعضاء في "جند الشام" الذي ظهر اسمه في سورية للمرة الاولى في حزيران (يونيو) العام الماضي، عندما اعلنت السلطات تفكيك "خلية ارهابية" تابعة لـ"تنظيم جند الشام للجهاد والتوحيد" في دمشق. ثم تحدثت عن سقوط زعيم الخلية "ابو عمر" ومساعده "ابو احمد".

طبعا الكاتبة تجاهلت كل الاتهامات التي توجه للسلطات السورية في دعم الجماعات الجهادية (الإرهابية حسب نظرية المسلسل) في العراق ولبنان والأردن، وهي اتهامات أميركية وأردنية ولبنانية وعراقية. والمؤكد أنها لا تجهل طبيعة عمل الأجهزة الأمنية في سورية والعالم العربي، التي لا تتورع عن اختراع تنظيمات عندما تدعو الحاجة. ولا تجهل أيضا أن المتهمين لا يملكون أي حقوق، وثمة جدل بأنهم يعترفون تحت التعذيب.

 

انزور، المخرج المشهور، قال لـ"الحياة" ان المسلسل يقدم الشيخ مصطفى "امير جند الشام"، المقيم في مدينة حماة وسط البلاد، الذي يدير العلاقات بين المجموعات المختلفة في التنظيم لتحقيق الهدف النهائي، وهو تفخيخ الطفلة آية لتفجيرها في مبنى القصر العدلي باعتباره "يقضي بالقوانين الوضعية وليس بأحكام الشريعة". ويعرض المسلسل ايضاً توصيات "المسؤول العسكري" لأتباع التنظيم بعدم التكلم على الهاتف اكثر من دقيقة، وبشراء بطاقات هاتف خليوي مسبقة الدفع، وبعدم استئجار البيوت القريبة من المكتب العقاري وألا تكون معروضة للبيع.

هنا يلغي أنزور، أو ألغي له، تاريخ مدينة حماة. لا داعي للرجوع لأدبيات المعارضة السورية، ليرجع إلى كتاب باترك سيل عن حافظ الأسد. وهو كتاب يصنف بأنه منحاز للرئيس الراحل. باتريك سيل يقول ان عشرين ألفا قتلوا في مجزرة حماة! أولئك العشرون، والذين تقول المعارضة أنهم أربعون ألفا، دمرت عليهم أحياء تاريخية بكاملها. ومن الممكن أن يخرج من أصلابهم أمراء لا يفكرون بغير الانتقام. طبعا أنزور لن تجول كاميراته بكوادرها الفنتازية في أحياء حماة التاريخية المدمرة. وليس بحاجة لمقابلة رفعت الأسد ولا عبدالحليم خدام ليسألهم عما حل بتلك المدينة المأساة.

تضيف الحياة، نقلا عن أنزور، يطلب "الأمير" من احدى المجموعات "سرقة سيارة من كافر" لتفخيخها، الأمر الذي أودى بحياة احد الاعضاء. لذلك، يقنع "الامير" زوجة هذا الشاب بعدم اخبار احد وبضرورة ان تلحق طفلته آية به الى الآخرة لـ"تصبح طيراً من طيور الجنة"، وذلك بهدف تفخيخ هذه الطفلة في القصر العدلي. لكن عندما يصل افراد المجموعة مع الطفلة المفخخة الى بهو القصر، تكون عناصر الامن لهم بالمرصاد. وتفشل نتيجة تراجع أحد المغرر بهم وابلاغ أجهزة الأمن.

لله درهم أنقذوا آية! وكم آية دفنت في حماة تحت الانقاض؟ كفى كذبا. النظام السوري يقف ضد إسرائيل واميركا. لكن ذلك لا يلغي حقيقة أن له سياسة دموية مع معارضيه. وهذا لا يعني أن كل معارضيه قطط أليفة.

هل يعرف أنزور والكاتبة والمنتج أن مسؤولين سوريين كبارا متهمون باغتيال الحريري؟ المسلسلات الأخرى لا تختلف إلا باختلاف المسؤول، الذي لا يشكره المسلسل.

ملاحظة أخيرة، الذين يفجرون أجسادهم، سواء في نيويورك أو بغداد  أو لندن أو عمان وغيرها، لا يشاهدون التلفزيون خصوصا في رمضان.

[email protected]