الإرهاب والكباب.. أردنيّاً

 "إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث، فاعلم أن الفقر قد أقبع عليهم". ابن خلدون.
من الضروري ألاّ تمر حالة التعاطف الشعبي الملحوظ مع عملية السطو التي تمّت، على بنك الاتحاد في عبدون، مرور الكرام، فما حدث أقرب إلى ظاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى في اجتراح النكت على هذه الحادثة والحادثة الشبيهة الأخرى في الوحدات.اضافة اعلان
      مثل هذه التفاعلات وردود الفعل الشعبية تتطلب نقاشات وأبحاثا متخصصة من قبل الباحثين الاجتماعيين وفي علم النفس، والسياسيين كذلك، وهي – أي الانفعالات والردود والنكت- تمثّل بحدّ ذاتها فرصة ثمينة للغوص أعمق في المسرح الاجتماعي والعلاقة بين المواطن والسلطة، والفجوة الطبقية وانعكاساتها على الحالة الاجتماعية والنفسية والثقافية، وأخيراً على المزاج الاجتماعي العام في البلاد.
      بالرغم من أنّ كثيراً من التعليقات كانت ساخرة وفكاهية، فالأمر لا يجوز أن يُختزل في كلمتين "خفّة دمّ"، كما أكّدت الزميلة جمانة غنيمات (في مقالتها أمس)، لأنّ كل هذه النكت والتعليقات، التي تبادلها الأردنيون، بمن فيهم المسؤولون، خلال الأيام الماضية، على الواتس أب، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، هي بمثابة "رسائل مشفّرة" تحتاج إلى تحليل وقراءة حقيقية.
      لا أريد أن أدخل في صميم التحليل والتفسير لهذه الحالة - وهنالك فرقٌ كبير بين التفسير والتبرير-، لكن أظن، وأغلب الظنّ ليس إثماً، أنّ هذه النكت والتعليقات تستبطن موقفاً غاضباً مبطّناً من طرفين، الأول هي الحكومة، في ظل اللحظة الراهنة، التي يستعد المواطنون فيها لمواجهة ارتفاع في الأسعار، بعد وجبة دسمة كبيرة من تعديل الضرائب (بإزالة الإعفاءات الضريبية عن العديد من المواد والسلع)، ورفع سعر الخبز تحديداً، ما يجعل شريحة واسعة كبيرة في حالة من القلق الشديد في كيفية التعامل مع المرحلة المالية الجديدة.
والطرف الثاني الذي تستهدفه هذه الرسائل هو رؤوس الأموال والأغنياء، ما يعكس شيئاً خطيراً – ينكره المسؤولون أو يسخّفونه في أحاديثهم- وهو الفجوة الطبقية المتنامية الكبيرة، بين مجتمع يعيش في حالة من الرفاهية والقدرة الواضحة على التكيف مع الضغوط المالية، ودخول وأرباح مرتفعة، من جهة، وشريحة اجتماعية واسعة تعاني في مواجهة ضغوط الحياة اليومية، وغوائل البطالة والخشية من الفقر، ورسوم المدارس والجامعات والمواصلات..الخ.
أعرف أنّ بعضهم سيقول لي: يا أخي "الفجوة الطبقية" موجودة في كل العالم، ونحن لسنا نظاماً اشتراكياً، وهذه طبيعة الاقتصادات الحرّة؟ وفي هذا الجواب مغالطات وتحايلات والتفافات شديدة، فالاقتصاديات الحرّة مرتبطة بقيم ثقافية واجتماعية واقتصادية، من ضمنها المنافسة المتساوية، ومن ضمنها الحوكمة الرشيدة، ووجود دور فاعل للسياسات الحكومية في حماية الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل، ومساءلة، ونظام ضرائب فاعل، وخدمات أساسية متوافرة، بخاصة التعليم والنقل والصحة.
     الاقتصاديات الحرّة، كذلك، ليست موحّدة على مستوى العالم، فهنالك نماذج عديدة، الدول الاسكندنافية: الرفاه الاجتماعي، والنموذج الأميركي، وغيرها، فلكل دولة هويتها الاقتصادية المحلية المرتبطة بمواردها وسياساتها وظروفها الاجتماعية، وفي كل الحالات فإنّ وجود طبقة وسطى عريضة، وشبكة خدمات أساسية مريحة، هي بمثابة معيار مهم في تحديد نجاعة السياسات الاقتصادية من عدمه!
      هذه الظاهرة استدعت لدى العديد من الأردنيين أحداث فيلم "الإرهاب والكباب"، الذي قام ببطولته عادل إمام ويسرا، وغيرهما، وفيه تعاطف المختطفون في مبنى حكومي مع "الإرهابي" المفترض، ووفّروا له "شبكة حماية" وأخرجوه من المشكلة في نهاية الفيلم، وفيه ربط بين العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وانعكاس كل ذلك على الموقف من السلطة والعلاقة معها.
      افتراضياً، فإنّ ردود الفعل المتعاطفة والساخرة هي بمثابة ترجمة لفيلم "الإرهاب والكباب"، لكن على الطريقة الأردنية.